وليد نجا

الإعلام والأمن القومي والوعي الجماهيري

الأحد، 14 سبتمبر 2025 08:38 ص


واجهة العالم العربي نكبتان النكبة الأولى عام 1948 واحتلت الأراضي الفلسطينية و النكبة الثانية عام 2003 واحتلت العراق بين النكبتين حدثت تغيرات جيوسياسية في الوطن العربي وظهر الإعلامي الموجهة الناطق باللغة العربية  وفق أجندات الحرب النفسية والعمليات النفسية  تبثه القوي الإقليمية والدولية المعادية للمصالح العربية عبر إعلاميين عرب وعبر منصات تتواجد في دول عربية وأجنبية وتتوافق رؤية الإعلام مع مخطط الشرق الأوسط ولا يتوافق محتواه مع  الهوية الوطنية للدول العربية في إطار مصطلحات العولمة والإعلام الحر وغيرها من المصطلحات البراقة التي تجذب البسطاء من عوام الجماهير.

وتم تكريس ثقافه الفهلوة والتفاهة عبر وسائل الإعلام في ظل تراجع  للإعلام المحلي على حساب القيم والعادات والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال، وأصبح الإعلام الوطني الحقيقي في ورطة للخروج من المعادلة الصعبة بين تقديم محتوى مهني يحافظ على الهوية الوطنية ويصنع ويقدم الخبر وبين السباق الفضائي  مع الإعلام  الإلكتروني عبر قنوات متعددة محتواها الإعلامي يقدم صناعه الترند على حساب  قدسية العمل والقيم، والإشكالية الحقيقة للإعلام تكمن في انه  لم يعد ترفًا في حياة المجتمعات، ولا مجرد وسيلة للخبر أو الترفيه، بل أصبح ضمن محددات الأمن القومي للدول لدوره الأساسي في  تشكيل الوعي وصناعة المستقبل.

فالكلمة التي تُقال عبر حوار في برنامج تلفزيوني على شاشة، أو تُكتب في صحيفة ورقية، أو عبر منصة رقمية، مرتكز أساسي في تحريك الوعي الجمعي للمواطنين بالإيجاب والسلب حيال قضايا مصيرية وتغير اتجاهاتهم ورؤيتهم، وتفتح مسارات جديدة للفكر والسياسة والثقافة وفق سيكولوجية الشعوب.

وتكمن إشكالية الإعلام في عالمنا  العربي، في أن كثير من القنوات والمواقع فقدت جوهر رسالتها الإعلامية في ظل اختلاط المفاهيم، فمهمة الإعلام الرئيسية التنوير والأبداع بجانب الحفاظ على المصالح القومية وفق محددات وطنية تحفظ للدول أمنها القومي، والملاحظ في  تناول الإعلام العربي للقضايا المحلية والإقليمية والدولية يجده يفتقد لروح العمل الجماعي والقومية العربية والأمن القومي العربي، لتباين الرؤيا وفق فقه الأولويات المتغيرة من دولة إلى أخرى بالرغم من القواسم المشتركة ووحدة المصير، فشتان بين الإعلام العربي والعالمي فتره الخمسينات وما بعدها من حقبة الدولة القومية فقد كان الإعلام صانع الأحداث وبين الإعلام في عصرنا الحالي التابع للأحداث، الأسير لدوائر التكرار، بحيث يتم  إعادة إنتاج نفسه حتى الملل، وهنا إشكالية تطرح نفسها هل نحن كأعلام عربي في عصرنا الحالي  يصنع الحدث ونمتلك رؤيا في أطار وطني، أم أمام إعلام يبحث عن الترند ويصنعه دون الاهتمام بالقضايا المصرية للدول؟، هذه السلسلة من الأفكار التي اطرحها، تأتي محاولة للإجابة عن هذا السؤال الكبير.

فحالة التخبط التي يعيشها الإعلام العربي معبرة عما يعيش فيه عالمنا العربي من تخبط في ظل تحديات لم يتعرض لها من قبل على مر التاريخ، لكنها أيضًا حاله تبحث عن الأفق الجديد الممكن وتجيب عن السؤال الذي اطرحه على جميع الفاعليين على الساحة الإعلامية العربية، وهو كيف يمكن أن نعيد تعريف الإعلام العربي ليكون قوة صانعة، لا مجرد تابع؟، وكيف نستعيد دوره في زمن تغيّر فيه الجمهور، وتغيرت معه أدوات الاتصال ومفاهيم التأثير؟

الإجابة من وجهة نظري البحثية أصل الإشكالية العربية في الإعلام تكمن في بعض النقاط التي أطرحها كرؤية نقدية متكاملة، ورؤيتي قد تكون واقعية للبعض وصادمة للبعض الأخر فمن الممكن الاتفاق معها والاختلاف، لكنها رؤية صريحة لصناعة الوعي العربي وإعادة التفكير في القضايا العربية المشتركة وفي القلب منها القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى مهما تبدلت الأولويات وتباينت المواقف بين مختلف الدول العربية وخاصة بعد التوغل الإسرائيلي في منطقتنا العربية وآخرها ضرب قيادات الفصائل الفلسطينية داخل الأراضي القطرية.

واتمنى ان يتم التعاطي مع رؤيتي بنقاش بين النخبة والمفكرين والإعلاميين والحكومات العربية للخروج من الوضع العربي الراهن الغير مسبوق بوضع خطة عمل تعيد فقه الأولويات العربية؛ فالإعلام العربي ترك جوهر الوحدة العربية والمصير العربي المشترك وبحث عن قضايا فرعية من ضمنها تصفية الخلافات بين بعض الأنظمة العربية والبحث عن الترند عبر قنوات تناقش كل ما يخص بعض الدول وفق رؤيا متضاربة، واحاول عبر ما أطرحه من أفكار عروبية واكاديمية لتطوير الإعلام إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أعلامنا العربي ، قبل أن يطوي الزمن إعلامًا اختار أن يعيش في الماضي.

فالحقيقة المعروفة أكاديميا ان الإعلام في الأصل ليس آلة تسجيل، ولا دفتر وقائع أو احوال، ولا مجرد ناقل لأخبار تفرضها عليه الأحداث ويحكمها الترند عبر أجندات موجهة؛ فالإعلام وُجد ليكون قاطرة التنمية للوعي والبناء عبر كوادر متخصصة في كافة المجالات تمتلك الرؤيا على طرح الإشكاليات ومقترحات الحل، فتزيد راية التنوير ويصبح الإعلام صوتًا قادرًا على صياغة الوعي الجمعي وفق سيكولوجية الشعوب فيتمكن من صناعة المستقبل.

وتكمن الإشكالية في تكرار الإعلام العربي لنفسه، عبر أعادة استخدام نفس الأساليب والأصوات والموضوعات، فيقع في مطب الكلاسيكيات وهنا نصيحة للقائمين على تطوير الإعلام لابد من اختيار وجوه جديدة وافكار جديدة مع الاستعانة بالخبرات المتراكمة ليبقى منها المتطور والقادر على التعامل مع مختلف الأجيال واجد في قناة القاهرة الإخبارية دون تحيز، بل عبر تقيم واقعي محايد تطلعا مهنينا أتمنى تكراره في قنوات أخرى في المنطقة العربية

فواقع الإعلام العربي انه أصبح عاجزًا عن ملاحقة التطور المهني حيث إن الإعلام صناعة متكاملة، فلابد من التطور وعدم الجمود المكاني حتى لا نفقد حس الابتكار، لنتوقف عند حدود "النقل" دون أن ننتقل إلى مرحلة "صناعة الخبر"؛ فالفرق بين إعلام "صانع للخبر المواكب للأحداث ولتطلعات الشعوب" وأعلام ينقل الخبر هو كالفرق بين من يكتب التاريخ ومن يقرأه؛ فالإعلام الصانع للأحداث يحدد اتجاه الرأي العام، ويفتح نوافذ جديدة، ويُربك من يكتفي بالثبات، أما الإعلام التابع فيتحول إلى ظل باهت، دوره محكوم بغيره، وصوته مجرد تكرار.

فنحن في العالم العربي ارتكبنا خطأ فادحًا حين جعلنا الإعلام مجرد "مواكب" للحركة الثقافية والاجتماعية، لا محركًا لها، والنتيجة، إعلام يلهث خلف المجتمع بدل أن يقوده، ويبرر واقعه بدل أن يغيّره؛ فلو نظرنا بصدق إلى واقع الإعلام المصري، لوجدناه يعيش فتره مخاض صعبة بين التطلعات والواقع والمأمول فقد تأخر تطويره وان تأتي متأخرا خيرا من ان لا تأتي؛ فمصر بالنسبة للوطن العربي هي قاطرة التنمية تمتلك كوادر مهنية ومبدعين في كافة المواقع بصماتهم ظاهرة في كافة المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

ونصيحتي للقائمين على تطوير الإعلام المصري لا تكرروا نفس الوجهة ونفس القوالب التي تدخل المحتوى الإعلامي لحالة جمود فتعطل مسيرة التطوير والتحديث؛ فمشكلة التطوير ليست في الأدوات فالتكنولوجيا متاحة، والمنصات الرقمية مفتوحة، والفرص أكبر من أي وقت مضى؛ لكن الإشكالية الحقيقية في مواكبة الرؤيا الإعلامية للأحداث المحلية والإقليمية والدولية المتسارعة فالإعلام المصري رائد للثقافة العربية وعليه ان  يقرأ المستقبل، ويطرح أسئلة تهم الوعي الجمعي للمواطنين وتوفر لهم جودة الحياة؛ فالإعلام العربي وفي المقدمة منه الإعلام المصري يمر بمفترق طرق في ظل تحديات جيوسياسية غير مسبوقة فلابد من إعادة  تعريف الإعلام باعتباره  صناعة وتوجيه تصب في صالح الأمن القومي العربي.

والبديل عن عدم التطوير والتحديث دوران داخل دائرة مفرغة؛ فلا معنى لإعلام يكرر نفسه، أو يزين الأخطاء. ولا جدوى من إعلام يكتفي بأن يكون شاهدًا على الحدث، بينما المطلوب أن يكون مشاركًا في صناعته، لقد أصبح المتلقي العربي خاصة فئة الشباب أكثر وعيًا مما نظن، وصار يتطلع إلى أعلام وطني في ظل الفوضى الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فلابد من طرح مساحة للنقاش للرأي والرأي الأخر في أطار محددات وطنية فالتاريخ لا يرحم من يقف في منتصف الطريق، ولا يغفر لمن يكرر نفسه حتى يملّه الجمهور.

فالجمهور لم يعد ينتظر الخبر من الفضائيات أو صفحات الجريدة، بل يصنع الخبر بنفسه عبر منصاته الرقمية، ولم يعد متلقي سلبي، بل أصبح إيجابي فاعلًا في صياغة النقاش العام، وهنا تكمن الفجوة لوجود منصات اعلامية لم تواكب التحديث والتطوير وتبث بنفس القوالب القديمة، وتتصرف وكأنها تحتكر المعلومة، بينما الجمهور تجاوزها بمراحل.

فالإعلام المصري بعد ثورة 30 يونيو يمتلك المصداقية المهنية والشعبية في ظل بحث المتلقي عن المصداقية كأولوية عن السبق الإعلامي، فالجمهور يبحث عبر وسائل الإعلام عمن يفسر له الحدث ويضعه في سياقه، لا من ينقل له خبرًا يعرفه مسبقًا عبر هاتفه، وأصبح يسأل: "ماذا وراء الخبر؟" أكثر مما يسأل: "ماذا حدث؟”. لكن الإعلام العربي، في غالبه، لم يدرك هذا التحول.

وما زال يكرر نفسه، يلهث وراء "الترند" بدل أن يصنعه، ويعيد تدوير نفس الخطاب في مواجهة جمهور صار يمتلك قدرة هائلة على التمييز بين الجاد والزائف، وبين الإعلام الحر والإعلام الموجه، والنتيجة الطبيعية أن اغلب الناس هجرت الشاشات إلى فضائيات أخرى أكثر جرأة وحرية وتنوعًا تمتلك أجندات تتعارض مع مصالحنا العربية مما يؤثر على الوعي الجمعي العربي حيال القضايا العربية.

وهذا ليس ناتجا عن تغير الجمهور فقط، بل لأن الإعلام لم يتغيّر. ظل سجينًا لأساليبه القديمة، فترك مساحته لغيره كي يحتلها، الخطر هنا أن الإعلام إذا لم يجرؤ على إعادة تعريف نفسه، ومواكبة عقلية الجمهور الجديد، فإنه سوف يفقد دوره الأساسي في صناعة الوعي، وسيظل مجرد صدى باهت لصوت لم يعد أحد يسمعه.

نحن في عالمنا العربي أمام لحظة فارقة في مسيرة الإعلام إما أن نمتلك الجرأة لنصنع مستقبلًا مختلفًا، أو نستسلم للجمود فنغيب عن المشهد، فلا مكان بعد اليوم لإعلام متردد، ولا عذر لمن يكرر نفسه حتى الملل؛ فالإعلام في جوهره قوة اقتراح وتغيير، لا أداة تزيين ولا وسيلة ترويج، ومتلقي المحتوى الإعلامي اليوم، متصل بالعالم عبر الفضاء الإلكتروني لحظة بلحظة، ولم يعد يقبل إعلامًا بلا موقف أو رؤية.

وأصبح يريد إعلامًا يفتح آفاقًا جديدة، بحيث يجرؤ على كسر الصمت، ويواجه التابلوهات التي تعطل التفكير؛ فأعلام المستقبل ليس بامتلاك المقومات وحدها، فالتكنولوجيا متاحة للجميع، بل أصبح في امتلاكه الجرأة على استخدام هذه الأدوات بوعي وإبداع؛ فالجرأة على كشف الحقائق على محاسبة الذات قبل محاسبة الآخرين عبر عرض الرأي والرأي الأخر وفق محددات وطنية بعيدا عن التهويل والتقليل، فيتمكن من صناعة محتوى لا يخاف من النقد ولا يهرب من الأسئلة الصعبة.

أما الإعلام الذي يصر على البقاء في دائرة التبعية، ويعيد إنتاج نفس الوجوه والخطابات، فلن يكون له مكان غدًا. سيطويه الزمن كما طوى كثيرًا من الأشياء التي فقدت شجاعتها، ولم تجرؤ على التجديد، فالمعادلة واضحة إعلام يغامر ليصنع المستقبل، أو إعلام يتراجع ليصبح جزءًا من الماضي، فالجرأة هنا ليست خيارًا لتحسين صورة الشاشة، بل مسألة نضج وفهم للواقع والمستقبل.

التاريخ يكتب في منطقتنا العربية الان ونحن نواجه تحديات جيوسياسية غير مسبوقة، وكما نعلم دائمًا التاريخ لا يرحم من يختار أن يقف في منتصف الطريق أما تطوير المحتوى الإعلامي أو ترك الساحة الإعلامية لمن يمتلكون أجندات تتنافي مع امننا القومي العربي والوطني اللهم قد بلغت اللهم فأشهد.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب