انتهيت من قراءة كتاب "وجوه لا تغيب.. بورتريهات في محبة مبدعين" للدكتور علاء الجابري، والصادر عن سلسلة اقرأ (دار المعارف)، ووجدتني أفكر في أمرين مهمين، الأول يتعلق بالكتاب وموضوعه، والثاني بالمكتبة المدرسية.
أما الكتاب فهو مهم من أكثر من نقطة، الأولى أنه يتحدث عن مجموعة من الشخصيات التي كانت جزءًا من هويتنا (المصرية والعربية)، والتي صنعت لنا تاريخنا الأدبي والفني وبالتالي السياسي والاجتماعي، فنجده يفتح بابًا لكلٍ من (أمينة السعيد، مي زيادة، جمال الدين الأفغاني، رجاء النقاش، سهير القلماوي، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن شكري، لطيفة الزيات، أحمد أمين، يحيى حقي، محمد عبده، جورجي زيدان، أسامة أنور عكاشة، سعد الله ونوس، ميخائيل نعيمة، عاطف الطيب)، شخصيات تدل أول ما تدل على أن لدينا سلسة من المبدعين الذين تركوا بصمة كبيرة، على تكوين الدكتور علاء الجابري، وبالتالي على الكثيرين من جيله، وأجيال سبقته وأخرى لاحقة.
الأمر الثاني أن الكتاب في بنيته ليس مركبًا، إنه كتاب "تثقيفي" يتفق مع هوية السلسلة التي صدر فيها "اقرأ"، وهو أمر وجوده ضروري، وأهمية هذا النوع من الكتاب زادت في ظل الظروف الثقافية التي نعيشها، حيث تراجعت القراءة لصالح اكتساب المعرفة السريع، بمعنى أن البعض صاروا يحصلون الآن معرفتهم من خلال "فيديوهات" تختصر حياة الناس أو تجربة ما، وتقدمها في دقائق، وأنا لست ضد ذلك، لكن القراءة تظل هي الأساس – من وجهة نظري - ومن هنا فإن كتاب "وجوه لا تغيب" يقدم الشخصيات التي أحبها وأشار إليها المؤلف بصورة قريبة، لا تتطلب جهدًا كبيرًا في تتبعها، لكنها تتطلب إدراكا وفهما، إنه يبحث عن "مفتاح الشخصية" من وجهة نظره، وينطلق منها، وعادة ما يكون المفتاح ماثلا في ريادة ما، أو لعب دور مميز، أو قدرة على الاختيار، أو إخلاص تجاه إحدى القضايا، بهذه الطريقة القريبة من روح الشباب، يعيد علاء الجابري هذه الشخصيات إلى الواجهة مرة أخرى، يلقى الضوء عليها، وعن نفسي أحببت اختياره للكاتب الراحل رجاء النقاش، لأنني أحبه وأحب تجربته، وأتمنى من صحفيي الملف الثقافي أن يعرفوا عنه الكثير، لأني أعده نموذجًا في هذا الشأن، من حيث الإنسانية ومن حيث الإبداع في هذا الشأن.
الأمر الثالث، أن شخصية المؤلف الدكتور علاء الجابري واضحة جدا، من أول اختيار الشخصية مرورا بزاوية التناول وانتهاء برغبته في عدم ترتيب الشخصيات بأي ترتيب معروف تاريخي أو ألف بائي، وتركها فيما يسميه "الفوضى الخلاقة" حسبما تراءت له، ربما حسبما أثرت فيه، أو حسبما كتبها، ليس هناك منطق ظاهري، لكن هناك منطق داخلي يربط الجميع هو قدرتهم على التأثير.
أما علاقة ذلك الكتاب بالمكتبة المدرسية، خاصة أن المدارس ستفتح أبوابها لاستقبال أبنائنا خلال الأيام المقبلة، فإن هذا الكتاب نموذجي في أن يضاف إلى مكتبات المدارس، إن كانت هذه المكتبات لا تزال تقتني الكتب، أقول نموذجي لأن موضوعه يساعد الطلاب على تشكيل هويتهم، كما أن أسلوبه سهل، وأتمنى من المعلمين إن كان لهم الحق أن يقترحوه على طلابهم، كي يشعروا بأن تاريخهم في الأرض ثابت، وأن قدرة أسلافهم على التفكير والريادة كانت ولا تزال.