الونس ليس مجرد وجود، بل فن الحضور، ليس في عدد الجالسين حولك، بل في شخصٍ واحدٍ يعرف متى يصمت ليصغي إلى ضجيجك الداخلي، هو الرفيق الذي لا يُثقلك، والممر الآمن حين تضيق بك الطرق.
الونس لا يُشترى، لا يُطلب، لا يُعلَن عنه، بل يحدث، تمامًا كما يحدث الفجر: بهدوء، دون ضجيج، لكنه يبدّل كل شيء.
ثمة أشخاص لا يملكون شيئًا ليقدموه، سوى وجودهم، لكن هذا الوجود وحده يكفي، يضيء، يربت، يواسي، يصاحبك في طريقك وكأنهم يمسكون بيد قلبك، بهم تُرمم الشروخ الصغيرة، ويُرمى التعب الكبير من على أكتافنا، ليسوا كثيرين، بل نادرون كأنهم صدفة تمشي على قدمين.
نحن لا نحتاج دائمًا إلى من يفهمنا بقدر ما نحتاج إلى من يؤمن بنا، إلى من يرانا بعين القلب لا بعين الحكم، إلى من يقول لك "أنا هنا" دون مناسبة، دون مقابل، دون شروط، هؤلاء هم الونس، هم النُقطة المضيئة في نص الحياة الطويل.
الونس في زوجة شريكة العمر، أو صديق صدوق، الونس أحيانًا فنجان قهوة في صمت، وأحيانًا مكالمة مقتضبة من صديق لا يسأل كثيرًا لكنه يعرف كل شيء، وأحيانًا أخرى، هو شخص يجلس جوارك فقط، دون كلام، لأن وجوده وحده كافٍ لتهدأ.
الونس لا يُخطط له، لكنه يُفتقد بشدة حين يغيب، هو نقيض الوحدة وإن كنت في قلب الزحام، هو دفء المعنى حين تبرد التفاصيل، به نكمل فصول الحياة دون أن نتعثر بين السطور، به يصبح العالم أوسع مما هو عليه، حتى وإن ضاقت الدنيا.
لا تبحث كثيرًا عن الونس، فقط كن مستعدًا حين يأتي، وافتح له قلبك قبل بابك، وكن أنت أيضًا ونسًا لغيرك، فمن يمنح الونس، لا يعرف طعم الوحدة، ومن يعرف قيمته، لا يخذل من احتاجه.