قد يرى البعض أنه من السذاجة طرح فكرة حل جماعة الإخوان، وتفكيك بنية التنظيم التحتية، للاعتقاد بأن الجماعة - كما يروج ويعتقد دراويشها - قوة كبيرة لا نظير لها، لكن فقه الواقع يؤكد أن الطرح منطقى، فى ظل أن الجماعة صارت منبوذة من كل شعوب المنطقة، وفى مقدمتهم الشعب المصرى، ومرفوض تواجدها تحت أى صياغة من الصيغ سياسية كانت أو دعوية.. وإذا كان عراب الجماعة الباحث عن بقايا الشهرة بين أطلال الماضى، أيمن نور، يقدم الجماعة فى ثوب مهترئ، باعتبارها قوة «سنية» كبيرة لا يمكن أن تخطئها العين، ولا نفهم ما هو قيمة طرح أن الجماعة «سنية» إلا من الباب الواسع، بأن أيمن نور، يداعب الإدارة الأمريكية، ومن أمامها حكومة بنيامين نتنياهو، الذين يخوضون معارك ضد محور المقاومة «الشيعى»، فيقدم الجماعة بأنها «سنية» يمكن أن تعيد التوازن، وتقدم الولاء الكامل والطاعة العمياء لتحالف ترامب/ نتنياهو، لتنفيذ مخططاته فى المنطقة!
الإشكالية، أن الذين يطرحون هذا الطرح الساذج، فاتهم أن الجماعة تربطهم علاقة وثيقة بمحور المقاومة والممانعة، وأن عملية 7 أكتوبر 2023 الطوفان الذى أغرق المنطقة، كانت بالتنسيق الكامل بين الجماعة وربيبتها «حماس» والمحور! جماعة الإخوان ومنذ تأسيسها كانت بارعة فى «التمثيل» لعبت كل الأدوار، التراجيدية والكوميدية، والخيانة والتآمر والبلطجة ورجال الدين والتجار، وغيرها من الأدوار، لتؤكد أن قماشة الخداع والزيف واسعة للغاية!
جماعة الإخوان، إذا كانت ترى فى نفسها جماعة وطنية، وهو أمر ليس فى أدبياتها، وتبحث عن العودة والمصالحة، لماذا لا تعلن عن حل نفسها بنفسها رسميا، وتبدأ فى تفكيك بنيتها التحتية، والابتعاد عن فكرة أنها نظير للدولة، الجماعة قضيتها الرئيسية أن عقيدة تأسيسها قائمة على خلق كيان وهمى تعيش فيه، وهو «أستاذية العالم» أو ببساطة وتوضيح أكثر إعلان «الخلافة الإسلامية»، وتأسيسا على هذه العقيدة فإنها تتعامل مع الدول بالند، وترى نفسها دولة فوق الدولة، تضع شروطها وتفرضها، وإذا لم ترضخ لها الأنظمة والحكومات تلجأ لأساليب التخويف والترهيب، والتهديد بإحراق الأخضر واليابس.
رأينا بأنفسنا عندما خرجت الجماعة عقب إغلاق صناديق الاقتراع للانتخابات الرئاسية 2012 فجرا، وأعلنت قبل أن تعلن «لجنة الانتخابات الرئاسية» حينها، فوز مرشحها الدكتور محمد مرسى، مهددة بحرق مصر فى حالة أن النتيجة كانت مغايرة لما أعلنوه، ما يؤكد أن مصلحتهم وأهدافهم أهم من الحفاظ على كيان واستقرار الأوطان، وما الوطن من وجهة نظر قيادات ومنظرى الجماعة سوى حفنة من تراب عفن!
هذه الندية المفرطة التى تمارسها جماعة الإخوان مع الدولة، لا يوجد لها مثيل فى أى دولة من الدول، فالأحزاب والكيانات السياسية تعمل فى إطار القانون، وتبحث عن الحصول على حقوقها السياسية عبر صناديق الاقتراع، والجميع يحترم رأى الصناديق، وبمجرد انتهاء العملية الانتخابية وإعلان الفائزين، تعود الأحزاب إلى سيرتها الأولى للعمل وفق القوانين، ولا تتعامل بندية مع الدولة، وتحاول كسر أنف إرادتها.
الجماعة، تتقاطع بالكلية مع العمل السياسى والحزبى الشرعى، فعقيدتها قائمة على أنها دولة، لها مشاريعها الاقتصادية، ووحدات وكتائب وفرق مقاتلة، وما الفرقة 95 التى كان يقودها القيادى الإخوانى أسامة ياسين - قائد التعذيب لكل معارضى الجماعة فى ميدان التحرير إبان 25 يناير 2011 ثم صار وزيرا للشباب - إلا تأكيد، وأن اعترافه بهذه الفرقة أغلق كل أبواب التشكيك والاجتهاد؛ أيضا عندما وصلت الجماعة لسدة الحكم فى السنة السوداء 2012 قررت تأسيس جيش مواز على غرار الحرس الثورى الإيرانى لحماية النظام الإخوانى، وهى تأكيدات على أن الجماعة لا تبحث أن تكون جماعة دعوية أو حزبا سياسيا، وإنما دولة فوق الدولة، تفرض وتملى شروطها!
حتى الطرح الأخير، للحوار والمصالحة مع الدولة، ينطلق من الندية، وفرض الشروط، رغم أن الجماعة ميتة إكلينيكيا فى كل الدول العربية، ولفظها النظام السورى الحالى، ما يؤكد علمه بأن جماعة الإخوان لا أمان ولا ضمان لها!
انطلاقا من هذه المسلمات، نسأل هل الجماعة تستشعر الندم. وإذا استشعرت، لماذا لا تعلن رسميا عن حل نفسها، وتفكيك بنيتها التحتية، وتقدم اعتذارا واضحا للمصريين بشكل خاص، وكل شعوب الدول العربية والإسلامية التى عبثت بمقدراتها، بشكل عام؟
الجماعة «دقت» المسمار الأخير فى نعشها، عندما تكشفت حقيقتها الداعمة لإسرائيل ومحاولة تبرئتها من حرب الإبادة فى غزة، وتوريط مصر، من خلال محاصرة السفارات المصرية فى الخارج، وأن هذا الفعل وصمة عار التصقت على جبين كل عضو ومتعاطف مع الجماعة، لن تمحوه السنين، ولن تنال منه عوامل التعرية، بفعل الزمن، لذلك أغلقت كل الأبواب فى وجوه كل من يحاول أن ينبس بحرف واحد من كلمة «مصالحة».. ولا يوجد حل آخر وأخير سوى إعلان الجماعة حل نفسها وتفكيك بنيتها التحتية والابتعاد عن السياسة!