حين تجعل طاقتك موجهة نحو نفسك وما تستطيع تغييره، سترى ثمارًا عظيمة: سلامًا نفسيًا أعمق، وثقةً تصحبها قدرة، ليكون الناتج إنجازًا. أما حين تسلّم نفسك لدائرة لا سلطان لك عليها، فلن تجني سوى الخذلان.
عزيزي القارئ، الحكمة الحقيقية تكمن في أن نميز بين ما هو في دائرة سيطرتنا وما هو خارجها. إن دائرة سيطرتك تضم أفعالك، أفكارك، مشاعرك، قراراتك، اجتهادك، مبادئك، وحتى الطريقة التي تتعامل بها مع الآخرين. كل ذلك أنت المسؤول عنه، وأنت وحدك من يملك زمامه. أما ما يحدث خارج هذه الدائرة، كأخطاء الآخرين، أو تقلبات الطقس، أو الاقتصاد، أو حتى نظرة الناس لك، فليست بيدك ولا تستحق أن تُرهق روحك بالسعي وراءها.
في رحلة الحياة وأحداثها المتلاحقة يضيع الكثيرون بين دوائر لا يملكون السيطرة عليها، فيهدرون أعمارهم في حروب وهمية لا يمكن السيطرة عليها، وأحيانًا تكون غير متكافئة أو غير متجانسة، ويصرّون على التغيير فيما لا يمكن تغييره. وهنا ينسون أن الحكمة كلها تبدأ من الداخل.
ومما لا شك فيه أن هناك نماذج حفرت خبرتها الحياتية على صخور التجارب، ومنهم القريبة إلى قلبي الأميرة ديانا التي لخّصت هذا المعنى الإنساني بقولها: “قم بعملك الطيب دون انتظار جزاء… فالخير الذي تزرعه اليوم قد يثمر في قلب لا تعرفه غدًا.” وكأنها تذكّرنا أن دورنا يبدأ من داخلنا ولا يتوقف عند الآخرين.
ودعمًا لهذا المنطق قال الزعيم غاندي: “كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم.”، وأكد نيلسون مانديلا المعنى ذاته بقوله: “لا يوجد شيء مثل العودة إلى مكان يظل دون تغيير، لترى كيف تغيّرت أنت.”، ليرسّخ فكرة أن التطور الحقيقي يبدأ بالذات.
ولا تنسَ عزيزي القارئ أن الأديان كلها تؤكد على هذا المبدأ. ففي الحديث الشريف: “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز.”، وهو توجيه بليغ للانشغال بما نستطيع فعله لا بما يستنزفنا بلا جدوى. وكذلك الكتاب المقدس، حيث يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية:
“ولا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.”
ومن خلال قلمي، أُناشد المسؤول الناجح، والمواطن الفعّال، والإنسان السوي: كلهم أن يبدأوا من داخل الدائرة، من سلوكياتهم وقراراتهم وأفكارهم، ثم ينعكس أثر ذلك على الآخرين. وستتغير رؤيتنا للحياة كلها.
ولنتذكر دائمًا أن القيادة السياسية شددت على أن: “الأوطان لا تُبنى بالكلام، بل بالعمل والإخلاص والانضباط.” فالتغيير الإيجابي ليس أمنية بعيدة المنال، بل فعل أنت وحدك تضع أساسه، وخاصة حين يكون هناك إجماع على هدف واحد: مستقبل أفضل لوطننا.
فلنغيّر أنفسنا أولًا: عاداتنا، سلوكياتنا، وأخلاقياتنا.
ومعًا نردد: "أنا أملك نفسي.. وما عدا ذلك يمرّ كما يشاء".