الضجيج المصطنع لجماعة الإخوان عن طرح المصالحة والحوار مع الدولة المصرية، هو محاولات يائسة وبائسة لإنقاذ التنظيم الميت إكلينيكيا، بمنحِهِ قبلة الحياة، تمهيدا لاستعادة وعيه وعافيته تدريجيا، ثم العودة إلى سيرته الأولى، تاريخ الجماعة يشى بهذه الحقيقة البالية، فقد ماتت إكلينيكيا أكثر من مرة، وما إن استطاعت انتزاع «قبلة الحياة» حتى عادت أشرس من ذى قبل، ولنا فى اقترابهم من ضباط ثورة يوليو 1952 مثالا حى وقوى، فقد تزلفوا إلى ضباط الثورة، وحاولوا - كعادتهم - السيطرة عليهم، إلا أن أمرهم اُكتشف، واستُبعدوا، فكان ردهم تدبير مؤامرة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى سنة 1954 وردت الدولة حينها بحملة عنيفة، وإلقاء القبض على المتورطين منهم، ونَفذت قرار الإعدام فى حق بعض قيادتهم، وحُجِّم دورها، بما يشبه قرار «الحل».
وعندما تولى الرئيس الراحل أنور السادات الحكم، قرر سنة 1971 فتح صفحة جديدة مع الجماعة، فأطلق سراح المسجونين من قيادات وأعضاء الجماعة بشكل تدريجى، ثم أصدر عفوا عاما سنة 1975 متوسما خيرا فى الجماعة، ومنتظرا أن تغير من نهجها، إلا أن الثعابين يمكن لها أن تغير جلدها، لكن يظل جوفها ممتلئا بالسموم القاتلة.
وكان رد جميل الجماعة للرئيس أنور السادات، الذى منحهم قبلة الحياة وسمح لهم بمزاولة نشاطهم، وإصدار جريدة، بأن كفروه ثم اغتالوه سنة 1981، وهو ما يراه المحللون والمراقبون للشأن السياسى، أن الرئيس السادات قد أخطأ التقدير، ووثق فى جماعة تفتقد لكل القيم والمبادئ، وأن الوفاء والالتزام بالوعود والعهود، منقرضة من أديباتهم ومن نهجهم انقراض الديناصورات!
وفى عصر الرئيس الراحل حسنى مبارك، لم يستفد أيضا من جرائم الجماعة، وأنها لا تستحق أن تُمنح قبلة الحياة والعودة بعد الموت إكلينيكيا، وأن صراعها مع الرئيسين السابقين جمال عبدالناصر، وأنور السادات، لم يخلُ من المؤامرات وتدبير مخططات الاغتيالات والتخلص منهما، وإن كان جمال عبدالناصر قد نجا من محاولة الاغتيال فى حادث المنشية، فإن أنور السادات، كان ضحية ولم ينجُ للأسف من الوقوع فى براثن هذه الجماعة، الأشد عداوة على الأمة.
الجماعة فى عهد الرئيس حسنى مبارك، تشعّبت وانتشرت وزادت من عضويتها، وثقلها المالى، وسيطرت على النقابات، وظلت تعمل فى الخفاء وتدعم تنظيمات خرجت من رحمها لتنفيذ مخططات اغتيالات المسؤولين والشخصيات العامة من المناهضين لأفكارهم، ونجحوا فى اغتيال البعض، وفشلوا فى البعض الآخر، حتى جاء الحادث البشع، الذى وجه ضربة قاتلة للسياحة، حادث معبد الدير البحرى بالأقصر سنة 1997.
وفى 2005 استطاع الإخوان أن يتسللوا لقاعات مجلس الشعب، عندما حصدوا 88 مقعدا، وهو رقم كان مفاجأة، استخدموا فيها الحيل بالتخفى لمرشحيهم، والذى فوجئ الجميع بأنهم ينتمون للجماعة بعد نجاحهم وحصد المقاعد.
وجاءت أحداث يناير 2011 واستخرج الإخوان كل مخزونهم السام لتنفيثه فى وجه المصريين، وأظهروا كل مساوئهم وأهدافهم الخبيثة متخلين عن أدوات التجميل، فظهرت وجوههم سافرة على حقيقتها، ومن الباب الواسع للطمأنينة بأن الفرصة قد واتتهم، ولا يوجد عائق مطلقا يقف فى طريق تحقيق أهدافهم، وعلى رأسها الوصول للحكم، ونجحوا بالفعل فى الوصول لسدة الحكم فى السنة السوداء 2012 وبعد التمكين ظهرت الجماعة باعتبارها كيانا محتلا معاديا للبلاد، لديها مشروع متقاطع مع الدولة الوطنية!
السياق المبسط السابق، محاولة للتأكيد بأن الجماعة ما إن تنتزع قبلة الحياة بعد الموت إكلينيكيا إلا وتعود فى نسخة أسوأ من قبل، متلبسة روح الانتقام والكراهية للدولة والشعب معا، معلنة أنها وجدت منذ 1928 من أجل تنفيذ مخططاتها مهما تجرعت مرارة الفشل، وماتت إكلينيكيا، فما إن تدب فيها الحياة، إلا وتعود أكثر شراسة!
ووسط ضجيج المصالحة المصطنع، نضع عددا من الأسئلة، على أرضية المكسب والخسارة، فلكل قرار نتائج، إيجابية كانت أو سلبية، فلنفترض أن الدولة المصرية قررت الموافقة على مد يد المصالحة وإجراء الحوار مع جماعة الإخوان، ماذا ستستفيد؟ هل هناك مكسب من المصالحة مع الجماعة التى لم تترك شيئا من الموبقات إلا وارتكبته، بدءا بتنفيذ المخططات الإرهابية والتآمر على البلاد واستدعاء الخارج للتدخل فى الشأن الداخلى؟
إذا كانت الدولة قد واجهت الجماعة فى عنفوانها، واستطاعت دحر كل مخططاتها، فكيف للدولة أن تمد يد التصالح لليد الملطخة بالدماء وهى مقطوعة وميتة إكلينيكيا؟ وإذا كانت كل الدول قد لفظت الجماعة بمن فيهم سوريا، هل من المنطق أن تعيدهم مصر من جديد للمشهد بعد ارتكابها كل هذه الخطايا؟
الدولة إذا مدت يد التصالح مع الجماعة، المندثرة من صدور كل قياداتها وأعضائها القيم الأخلاقية والوطنية ولا تبالى بمفهوم الدولة، فى عجرفة الأمانى والطموحات المتجاوزة للحدود، فإن الإجماع الشعبى يرفض، لأنه ذاق الأمرين من جرائم هذه الجماعة، وأنه بحسابات الربح والخسارة، فإن الرابح الوحيد مثل «كارت الجوكر» هى جماعة الإخوان، والخاسر بفداحة، هى الدولة المصرية ومن أمامها وخلفها الإجماع الشعبى، ورسالة بأن الدولة تكرر نفس الخطيئة مع الجماعة فى التسامح ومنح قبلة الحياة، بنفس الطريقة والوسائل، وتنتظر نتيجة مغايرة!
المصالحة مع الإخوان، مكسب كبير وعظيم للجماعة، وخسارة فادحة للدولة، حكومة وشعبا!
وللحديث بقية، إن كان فى العمر بقية.