محمود عبدالراضى

خطر في علبة

السبت، 30 أغسطس 2025 01:46 م



كنا نأكل من يد الأم، واليوم نأكل من يد عامل التوصيل، كنا ننتظر الغداء ليجمعنا، فأصبحنا نأكل فرادى، وعلى عجل، ومن علب بلا روح، لم تعد الموائد تُفرش، بل تُرسل، ولم تعد الروائح تأتي من المطبخ، بل من نوافذ السيارات المتوقفة تحت البيت.

الأكل من الشارع صار عادة، والدليفري أصبح سلوكًا يوميًا، ومع كل وجبة خارجية نخسر جزءًا من الصحة وجزءًا من الدفء، الأطفال الذين كانوا يأكلون خضارًا مطهوًا بحنان، صاروا يأكلون دهونًا مُجمّدة بنَهم، ومع كل سندويتش نشتريه نُحمّل أجسادهم الصغيرة عبئًا لا يُرى بالعين، لكن يظهر في فحوصات الغد.

ما أخطر أن نُطعم أبناءنا طعامًا لا نعرف مصدره، ولا نعلم كيف طُهي، ولا بأي زيت سُبح، وما أخطر أن نغفل عن أثر تلك الوجبات على صحتهم ومستقبلهم وسلوكهم الغذائي.
الاستسهال صار أسلوب حياة، والنتيجة أمراض زاحفة، ومناعة ضعيفة، وأجساد صغيرة تُرهقها المواد الحافظة والدهون المشبعة.

غابت المائدة، فغاب الحوار، وغاب الترابط، وتشتتت العائلة إلى جزر منفصلة، لم نعد نعرف ماذا أكل أبناؤنا، ولا متى، ولا من أين، اختلطت مواعيد الطعام كما اختلطت مكونات الوجبات، وأصبح الجوع يُسكت بأقرب طلب، لا بأقرب طبق منزلي.

ما أحوجنا للعودة إلى البيت، لا فقط بالسكن، بل باللقمة، ما أحوجنا لرائحة البصل في الصباح، وصوت تقليب الطعام في القدر، وابتسامة الأم وهي تسأل: مين جعان؟ العودة للبيت ليست حنينًا للماضي، بل إنقاذ للمستقبل، وصحة الأجيال تبدأ من طبق نظيف ومائدة دافئة.



 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة