عصام محمد عبد القادر

حديث الطمأنينة

الأحد، 24 أغسطس 2025 04:13 ص


نحن في حاجة مستدامة؛ لنعبر عما يجول في خواطرنا، وذلك من خلال الحديث مع النفس، أو الآخر؛ لنخرج ما تحويه الصدور بلغة هادئة، ونصبح بعدها في حالة من الارتياح، ونمتلك المقدرة على تنظيم ما لدينا من أفكار، بما يمكننا من أن نستعيد نشاطنا، ونجدد طاقاتنا، ونستكمل مسيرتنا في الحياة، سواءً بالعمل، أو أداء مهام مكلفين بها، أو مشاركة الآخرين، والتعاون معهم؛ من أجل أن نصل إلى نتاجات يعود أثرها الإيجابي، أو ثمرتها اليانعة على الفرد، والمجتمع، ويصنع حالة الاتزان النفسي.


عندما تدور في رؤوسنا فكرة، أو ملامح منها؛ فإن الضغط النفسي الناتج عنها يجعلنا نحاول إخراجها؛ كي يحدث ما نسميه بالتفريغ الانفعالي، وهذا يعزّز من حالة الارتياح، ويزيد من معدلات المشاعر الإيجابية، ويفعم الطاقات، ويستثيرها، أو يستنهض الهمم للعطاء، والعمل، والاستقرار، وفي المقابل تقل مستويات التوتر، وتنحسر معدلات السلبية، وتغلق بوابة الغضب، وتتبدد مسببات القلق، ولا يفتح مجالًا للتوتر، أو الضيق، أو الحزن، وهذا نتيجة لتحرر الضغوط، والانفعالات، والصراعات الداخلية، التي تقبع في نفوسنا، وتتحملها السعة العقلية، والذهنية.


عندما تجد إنسانًا ينصت إليك، ويتسمّع إلى سجايا حديثك، الذي يخرج من بين شفتيك، دون أن يستوقفك، أو يحدّ من قدرتك على التعبير، أو أن يوجه تفكيرك، أو أن يخرجك من سياق أنت متمازج معه إلى طريق، يوجهك إياه، أو أن يحدث ضجّة، تشتت أفكارك، وتربك كلماتك، وتضعف حجتك، وتضعف بيانك، أو أن يتدخل برأي من أجل أن يخرج عن حالة صمته؛ ليعزّز من وجهة نظره، أو أن يجعلك تغير من نمط تفكيرك؛ فتغيب الفكرة في ضبابية مقصودة؛ فهذا الشخص الذي يتورّع بعيدًا عن تلك الممارسات، يهيئ لك مناخ الطمأنينة؛ لتسترسل كلماتك، دون تخوف، أو تحسّب لتداعيات تذكر.


حديث الطمأنينة نحن في أمسّ الحاجة إليه، كونه يدعم تدفقات الخواطر، أو وجل، ويفتح أبواب التفكر، دون مواربة، ويصّفي النفوس من شوائب، تمخضت عن مجريات أحداث معقدة، متواترة، حملت في طياتها أطنانا من الهموم، التي تتوجع لها النفوس، وتشوب رقرقة الوجدان، إنه العامل المشترك الأكبر، الذي يعزّز من علاقتنا الاجتماعية في كل صورها، ومستوياتها، ويقرّب من وجهات النظر، ويكوّن قناعة حقيقية في أذهان الآخرين؛ ومن ثم لا تتباين وجهات النظر كثيرًا، ولا يحدث الخلاف القائم على سوء المظانّ، وهذا الحديث يمنحنا المقدرة على تحقيق ماهية التصبّر، التي تنمّي لدينا مهارات، جد ضرورية منها: الاستقراء، والاستبصار، والمحاججة، التي تقوم على النقد الإيجابي في صورته العميقة.


لطافة حديث الطمأنينة يتوقف عليه سكينة النفس، وشحذ الأذهان، التي تخرج من حالة الركود إلى واحة إنتاج فكري، مبتكر، تضيف إلى ساحة الخبرات متلّون نافع، يُثرى ملكاتنا، ويزيد من طلاقة لغتنا الجميلة، ويكسونا ثقة بالنفس، مشبعة بالحب، والعطاء بلا حدود؛ فيبدو الخير، وأفعاله عادة نمارسها، دون توقف، إنه يعد شرطًا من فقه الفهم الصحيح، الذي يبعدنا عن تصيّد للخطأ، أو تفسير ينقصه حكمة التدبر؛ لذا فقد صار راحة للروح، وسعادة للقلب، وانشراح للصدر، وبهجة للفوائد؛ فمن تجده يتقبل إبرام هذا النمط من الحديث معك؛ فهو أداة بناء، ينبغي أن تغتنمها، ولا تفرط فيها.


المكاشفة، والمصارحة، لا يمكن للإنسان منا أن يبديها في مناخ، يحمل التوتر، ويحيط به سلاح القلق، والخشية، والريبة؛ كون الحديث في حدّ ذاته يحتاج إلى مناخ الطمأنينة؛ فما أجمل! من إنسان يمنحك إياه، ويسمح لك بالكلام؛ لتُفرّغ ما يجوب في سجايا النفس، حتى لو استغرقت الرحلة مزيدًا من الوقت، واستلزمت جهدًا في عطاء التركيز، واستوجبت اهتمامًا من خلال نظرة تسامح، وتقبّل، لا استهجان، واستنفار، أو إعراض؛ كي لا تنغلق البوابة، التي يتدفق منها هدير الكلمات، التي تحمل معانٍ عميقة، ومغازٍ، ذات دلالات، تشكل أهمية بالغة؛ ومن ثم تخرج الحقيقة إلى النور، ويغيب عن المشهد أوهام، وأكاذيب، تتضاعف؛ فتشغل حيّز النور، الذي يتضاءل عندما نفقد حديث الطمأنينة.


تعالوا بنا نعظّم من شأن حديث الطمأنينة لأشخاص يهتمون بأمورنا، ويحرصون على احتوائنا، وينحّون ذاتيتها إلى حين أن نفرغ ما بين جوانب نفوسنا المحمّلة بكلام، مغلّف بثياب الحرص، وعليه سياج، يصعب النَّيلُ منه، كونه في صندوق أسودَ، لا ينفتح إلا بإذن، ولا ينغلق، دون رغبة من صاحبه، لا تدع حديثك الداخليَّ متراكمًا؛ وابحث باهتمام عن شخص، يهتم لأمرك، ويجعلك، تطمئن للحديث معه، دون توقف؛ فتصير راحتك سهلة المنال.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب