الكلمة ليست مجرد صوت يخرج من الفم، بل سهم قد يصيب القلب أو يسنده، قد يجرح الروح أو يجبرها، الكلمة لا تُقال فتمضي، بل تُقال فتسكن، تُخزَّن في الذاكرة، تُعاد في الذهن، تُنسَج حولها مشاعر قد لا تندمل.
كم من كلمة قيلت في لحظة غضب، فهدمت بيتًا، أو مزّقت قلبًا، أو كسرت ظهرًا لم يظهر عليه الألم، وكم من كلمة طيبة، قيلت في وقتها، فرفعت معنويات، وأعادت الأمل، وغيّرت حياة، الكلمة كالرصاصة، لا يُمكن استرجاعها، ولا إصلاح ما أفسدته بعد انطلاقها.
فلنتذوق كلماتنا قبل أن نُلقيها، كما نتذوق الطعام قبل أن نقدّمه، فالكلمة التي تخرج لا تعود، لكنها قد تعود إلينا في صورة ندم، أو خسران، أو حتى عقاب، فلنجعل من كلماتنا ملاذًا لا مأزقًا، دعما لا سلاحًا، حضنًا لا حدًا.
الكلمة يمكن أن تكون دواءً أو داءً، فكم من إنسان كان على حافة الانهيار، فأنقذته عبارة صادقة، وكم من نفس متعبة كانت تبحث عن سند، فخذلتها كلمات من أقرب الناس، في زمن كثرت فيه الكلمات، وقلّت فيه الحكمة، صار الصمت أحيانًا أصدق من الكلام.
اختر كلماتك كما تختار أصدقاءك، واجعل لسانك جسرًا لا حفرة، لا تتحدث لمجرد الرد، ولا تكتب لمجرد الظهور، اجعل من كل حرفٍ يخرج منك نقطة نور، أو لا تُطلقه، فالكلمة إما أن تُعطي حياة، أو تسحبها بصمت لا يُرى.