مصطفى المنشاوى

القاهرة - طوكيو.. شراكة تصنع الغد

الخميس، 21 أغسطس 2025 12:37 ص


ليست العلاقات بين مصر واليابان وليدة اللحظة، ولا هي مجرد بروتوكولات عابرة تُسجَّل في دفاتر الدبلوماسية؛ بل هي مسيرة ممتدة تُشبه لقاء نهرين عظيمين، أحدهما يأتي من ضفاف الحضارة الفرعونية حيث النيل شاهد على فجر الإنسانية، والآخر ينبع من جزر الشمس المشرقة حيث التفوق التكنولوجي والدأب بلا كلل.

إنه تلاقي الشرق بالشرق، حيث يجتمع الإرث العريق مع العقل المنظَّم، فتتشكل معادلة استثنائية للتعاون والشراكة، معادلة تجعل من “القاهرة” و”طوكيو” جناحين يرفرفان على فضاء واحد: فضاء التنمية المستدامة.

لقد أثبتت اليابان أنها شريك صادق لمصر، ليس فقط عبر مليارات الدولارات المستثمرة في البنية التحتية والتعليم والطاقة، بل عبر الروح اليابانية ذاتها: روح الانضباط والابتكار. فمن الخط الرابع لمترو القاهرة، إلى مطار برج العرب، وصولًا إلى تجربة المدارس المصرية اليابانية التي غرست في تلاميذها قيم النظام والالتزام جنبًا إلى جنب مع المناهج العلمية، ثم إلى الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا – التي تُعَد أول جامعة يابانية تُقام خارج حدودها، واختيار مصر مقرًا لها لم يكن مصادفة، بل اعترافًا بمكانة مصر وريادتها في المنطقة – تبدو اليابان وكأنها تزرع في أرض مصر بذور المستقبل العلمي والتنموي معًا.

وفي المقابل، فإن مصر لا تقدم لليابان مجرد سوق واعدة أو موقعًا استراتيجيًا على مفترق البحار، بل تمنحها ما هو أعمق: تمنحها تاريخًا يمتد لسبعة آلاف عام، وعمقًا حضاريًا يجعل من التعاون معها امتيازًا ثقافيًا قبل أن يكون اقتصاديًا. ومن يزور المتحف المصري الكبير – ذلك الصرح الذي حمل توقيعًا يابانيًا في بعض محطاته – يدرك أن العلاقة بين البلدين ليست فقط بين دولتين، بل بين حضارتين تتعانقان عبر الزمن.

قمة “تيكاد” الأخيرة أعادت تسليط الضوء على هذا النموذج الفريد من الشراكة. فاليابان لا تتعامل مع أفريقيا من زاوية المانح والمتلقي، بل من منظور الشريك المتكافئ، ومصر بحكم موقعها ودورها تمثل البوابة الطبيعية لهذا التلاقي. إن توقيع الاتفاقيات، وفتح الأبواب أمام الاستثمارات المشتركة في الطاقة النظيفة، والصناعات الخضراء، وتمكين الموارد البشرية؛ ليس إلا بداية فصل جديد من كتاب طويل اسمه “الحلم المصري – الياباني”.

وإذا كانت الفلسفة اليابانية قد علّمت العالم أن القوة الحقيقية لا تُقاس بحد السيف بل بعمق الحكمة، فإن حكمة الحاضر تؤكد أن قوة مصر واليابان تكمن في هذا التلاقي الفريد: حيث ينصهر الانضباط الياباني مع الروح المصرية المبدعة، ليصنعا معًا تجربة تنموية جديرة بأن تُدرَّس كنموذج للتعاون الدولي العادل والمتوازن.

فالعلاقات بين القاهرة وطوكيو ليست مجرد سياسة خارجية، بل قصيدة مكتوبة بحروف من التاريخ والمستقبل معًا… قصيدة عنوانها: “عندما تتصافح الحضارات، تُزهر التنمية”.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة