الاستعمار صنع الفقر في أفريقيا.. كتاب يوضح

الإثنين، 18 أغسطس 2025 03:00 م
الاستعمار صنع الفقر في أفريقيا.. كتاب يوضح غلاف كتاب تاريخ الاقتصاد العالمي

أحمد إبراهيم الشريف

تعانى القارة الأفريقية من أوجه متعددة للفقر، والتي تتعدد أسبابها وتتنوع، ومن ذلك "الاستعمار" الذي أشار إليه كتاب "التاريخ الاقتصادي العالمي: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف روبرت سي آلن، ترجمة محمد سعد طنطاوي.

يقول الكتاب تحت عنوان "الاستعمار":

بدأ الاستعمار الأوروبي بالبرتغاليين الذين أقاموا مستعمرات فيما يُعرَف اليوم بغينيا بيساو وأنجولا وموزمبيق في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ثم أقامت القوى الأوروبية الأخرى حصونًا على ساحل غرب أفريقيا لتسهيل تجارة العبيد، وأقام الهولنديون مستعمرتهم في رأس الرجاء الصالح في عام 1652. اتخذ الاستعمار الأوروبي شكلًا أكثر جدية في القرن التاسع عشر، بَيْدَ أن تقسيم القارة بين القوى الاستعمارية لم يحدث إلا مع نهاية القرن.

كان يجري الاستحواذ على المستعمرات لأسباب اقتصادية واستراتيجية، وكانت القوى الاستعمارية تعقد الأمل في أن توفِّر المستعمَراتُ المنتجاتِ الاستوائيةَ لها، وفي أن تكون هذه المستعمرات أسواقًا لمصنوعاتها، فضلًا عن توفير أماكن لمواطنيها للاستقرار بها، وفي أن تمثِّل المستعمَراتُ مصدرًا للاستثمارات المربحة للطبقات البرجوازية، بالإضافة إلى ذلك، كان يُنظَر إلى الإمبراطوريات بوصفها بعثات حضارية ستنشر المسيحية، وسترفع من قدر الثقافة المحلية إلى المستوى الأوروبي. كان من المتوقع تحقيق هذه الأهداف دون أي تكاليف تتحملها القوى الاستعمارية؛ حيث كان من المفترض أن تموِّل حكوماتُ المستعمَراتِ نفقاتها من خلال عائداتها الخاصة.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب


وقد أثبت الاستعمار مدى الدمار الذي يُلحِقه بعملية النمو الاقتصادي في أفريقيا أكثر من أي مكان آخَر في العالم. أدى الاستعمار في القارة الأفريقية إلى ظهور مؤسسات في غاية السوء. كانت المستعمرات الأفريقية الأولى — على غرار نظيراتها السابقة عليها في أمريكا الشمالية — تُدار من خلال «الحكم المباشر»؛ حيث كانت الحكومات الاستعمارية تطبِّق قانون الدولة الأم في جميع الأراضي التابعة على كلٍّ مِن المستوطنين والسكان الأصليين على حد سواء، وإنْ لم يتمتع السكان الأصليون بكامل حقوقهم في غالب الأحيان. بنهاية القرن التاسع عشر، حل «الحكم غير المباشر» محل الحكم المباشر، وكان الغرض من ذلك هو جعل الاحتلال الأجنبي أكثر قبولًا للسكان الأصليين من خلال الاعتراف بالاختلافات العرقية جميعها، ومن خلال منح السلطة والثروة إلى القادة المتعاونين في مقابل دعم الأجانب. وفي ظل هذا النظام، كانت الدولة الاستعمارية تطبِّق قانون الدولة الأم على المستوطنين وفي المدن، أما حكم السكان الأصليين في الريف فقد تطور إلى نظام «الزعماء» الذين كانوا يطبِّقون «عادات قبائلهم»؛ وقد وضعتُ هذه المصطلحات بين أقواس للتأكيد على أنها مفاهيم قانونية تتصل بالدولة الاستعمارية، لا تتصل بالضرورة بواقع الحياة قبل الاستعمار. كان يُنظَر إلى جميع الكيانات السياسية الأفريقية — من الممالك مثل أشانتي، إلى أقل الجماعات تنظيمًا — ككيانات متكافئة عاداتها موحدة، على الرغم من اشتمال الكيانات السياسية المعقَّدة على شعوب مهزومة لها عاداتها المتباينة. نُصِّب زعماء في أماكن مثل شمال غانا وشرق نيجيريا حيث لم يحكم هؤلاء من قبلُ قط. اتسم البناء السياسي بأنه مهلهل، وكان حق الشعب في ترك الأنظمة القمعية بمثابة لجام يحد من سلطات الحكَّام الطغاة، ولكن ألغي هذا الحق عندما كان الناس يُقسَّمون إلى قبائل لا يمكنهم تركها. وقد أعيد تشكيل العادات بحيث تلائم الأغراض الاستعمارية؛ فأُلغيت العادات «البربرية» مثل العبودية (رغم استمرارها على أرض الواقع)، فيما أُبقِي على العادات المفيدة مثل حق زعيم القبيلة في طلب عمالة غير مدفوعة الأجر، وبهذه الطريقة أصبحت العمالة القسرية إحدى السمات العادية في الحياة الاستعمارية. صارت الملكية العامة عادة؛ ومن ثَمَّ كان باستطاعة الأفراد امتلاك أراضٍ زراعية فقط من خلال الانتماء إلى إحدى القبائل، وفقط وفقًا لرغبة الزعيم الذي كان يخضع له أفراد القبيلة. كانت العمليات التقليدية تُستخدَم حيثما كان ذلك ممكنًا لإضفاء سمات النبالة على الزعماء، ولكنهم في نهاية المطاف يتم تعيينهم من قِبَل قوى الاحتلال، وكان زعماء القبائل يُمنَحون سلطات تزيد عن السلطات التي كان يتمتع بها الحكام قبل الاستعمار. صار الزعماء الجُدُد هم الممثِّلين الرئيسيين للإمبراطورية؛ حيث كانوا يفرضون الضرائب، ويجبرون أعضاء قبائلهم على العمل، فضلًا عن استغلالهم لسلطاتهم لتكوين ثروات شخصية. لقد خلق الاستعمار نظامًا من الديكتاتوريين الصغار ممَّن لديهم نزعة للجباية ليحكموا المناطق الريفية.

كانت السياسات المتَّبعة من قِبَل المستعمرات الأفريقية — على أقل تقدير — مدمِّرة للنمو الاقتصادي بالقدر نفسه الذي كانت عليه السياسات المتَّبعة في الهند وغيرها. تبنَّت الحكومات الاستعمارية عنصرًا واحدًا فقط من نموذج التنمية القياسي في القرن التاسع عشر؛ أَلَا وهو إدخال التحسينات على وسائل النقل. بحلول الحرب العالمية الأولى، كان ٣٥ ألف كيلومتر من خطوط السكك الحديدية قد أُنشئت في أفريقيا جنوب الصحراء، وكانت عمليات الإنشاء تُموَّل من قِبَل الاستثمارات الخاصة (في ظل وجود ضمانات عامة عادًة)، وكانت تهدف إلى تيسير تصدير المنتجات الأولية من خلال ربط المناطق الداخلية بالموانئ. لم تكن التعريفات الجمركية مستخدَمة لدعم التصنيع، بل ظلت عند مستويات منخفضة لتوفير مصدر عائدات فقط، ومن ثَمَّ كانت الاقتصادات في المستعمَرات متكاملة بصورة تامة مع السوق العالمية. ومع انخفاض تكلفة النقل عبر المحيطات والنقل البري، انخفضت أسعار المصنوعات الأوروبية في أفريقيا وزادت أسعار المنتجات الأولية. استجابت الاقتصادات في المستعمَرات وفقًا لهذه التحولات. ارتفع إنتاج وصادرات المنتجات مثل زيت النخيل والفول السوداني ارتفاعًا هائلًا، وعلى النقيض، انخفض إنتاج المنسوجات القطنية في كانو. كانت العولمة تعني أن اقتصاد أفريقيا صار متخصِّصًا في إنتاج المنتجات الأولية.

لم تحاول الحكومات الاستعمارية نشر التعليم بين الأفارقة، بل تُرِكت هذه المهمة إلى الإرساليات المسيحية، والمدارس الإسلامية، فضلًا عن المبادرات المستقلة الأخرى. أُحرز بعض التقدم، لا سيما بين جماعات مثل الكروبو الذين منحتهم أنشطتهم التجارية حافزًا لتعلم القراءة والكتابة، والذين هيَّأ لهم نجاحهم التجاري دخلًا أنفقوا منه على التعليم. ظلت معدلات معرفة القراءة والكتابة منخفضة للغاية حتى بعد الاستقلال. لم تبذل الحكومات الاستعمارية أيضًا أي جهد في تأسيس بنوك محلية لتمويل الاستثمارات. دعمت بعض المستعمرات الاستثمارات الخارجية غير أن ذلك جاء على حساب الأفارقة؛ إذ حصل الأجانب على حق ملكية موارد القارة، وقد كانت هناك اختلافات هائلة بين المستعمرات في هذا الصدد.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب