دندراوى الهوارى

نهاية إسرائيل «الصغرى».. وحرب الفناء «الكبرى»!

الأحد، 17 أغسطس 2025 12:00 م


خلال 22 شهرا منذ انطلاق الشرارة الأولى لحرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة، سقطت فيها المظلومية الإسرائيلية، والتى ظلت تبتز بها العالم، بشكل عام، وأوروبا وأمريكا على وجه الدقة، عقودا طويلة، والقائمة على الهولوكوست، أو محرقة اليهود فى أفران هتلر، والزعم بأنها إبادة جماعية راح ضحيتها ملايين اليهود إبان الحرب العالمية الثانية «1939 - 1945» بسبب هويتهم العرقية والدينية، بجانب المصطلح المطاط والذى وظفته إسرائيل كسوط يجلد ظهور كل من يناصبها العداء عن حق، وهو «معاداة السامية»، والذى اتخذ أشكالا متعددة، ولم يكن له جذر ثابت فى التكييف، هل مصطلح «معاداة السامية» قائم على خلافات دينية؟ أم على عنصرية بزعم أن اليهود شعب الله المختار؟

يمكن القول - بكل أريحية - إن هذه المظلومية، سقطت واندثرت اندثار الديناصورات، ولم يعد لها وجود الآن، وأن حرب الإبادة والوحشية فى غزة، والتى لا نظير لها فى التاريخ، وضعت مشهد النهاية لـ«المظلومية الإسرائيلية التاريخية»، ودشنت لطرح جوهرى، مفاده أنه كيف لمظلوم تعرض للإبادة، أن يقود حربا أبشع مما تعرض له؟!

ولا يمكن لأى متخصص عسكرى واستراتيجى، أو مراقب أو ناشط حقوقى، أو رجل دين، مهما كانت ديانته، أو مواطن عادى فى أى بقعة على كوكب الأرض، أن يجزم بأن المظلومية الإسرائيلية التاريخية «محرقة اليهود» حقيقية كما يصورها اليهود، لغياب التوثيق، والاعتماد فقط على البروباجندا النظرية، وشهادات غير موثقة، بينما وعلى الضفة المقابلة فإن العالم الآن بكل تعدده واختلافاته الثقافية والدينية يرى ويشاهد بعينه ويتابع ما ترتكبه إسرائيل من إبادة شعب، قتلا بالرصاص، وبالجوع، فى زمن التوثيق المتعدد، وثورة الاتصالات والتكنولوجيا والتى جعلت من العالم ليس قرية صغيرة فحسب، بل حجرة صغيرة فى منزل صغير. 

هذه الحرب جعلت من إسرائيل دولة منبوذة مكروهة، وما حدث فى اليونان مؤخرا، عندما هتف اليونانيون ضد سفينة تقل إسرائيليين، ومنعوها من الرسو فى الموانئ اليونانية، إنما مجرد قطرة فى بحر من الكراهية أغرق بنيامين نتنياهو بلاده فيه بعجرفة وهروب من المساءلة ومحاولة الانتقال من خانة «الاتهام بقضايا فساد» إلى خانة «الزعامة التاريخية القادرة على تحقيق الوعد الإلهى، إسرائيل الكبرى من النيل للفرات»، فدفع بإسرائيل الصغرى «الحالية» إلى الغرق فى قاع بحر الكراهية الهادر.

بنيامين نتنياهو لم يُغرِق شعبه وبلاده فى بحر الكراهية فحسب، وإنما شوه كل يهودى يعيش فى أى بقعة على وجه الأرض، وهذا ليس من بنات أفكارنا، وإنما شهادات موثقة من مراكز بحثية معنية، ومنظمات حقوقية بجانب ساسة كثر، ففى يوليو 2024، قال مدير وكالة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبى، «سيربا راوتيو»: إن «تداعيات الصراع فى الشرق الأوسط تقوض التقدم الذى تحقق بشق الأنفس لمواجهة الكراهية ضد اليهود» معلنا أنه «فى فرنسا، أعرب 74 بالمئة من اليهود عن شعورهم بأن الصراع ترك أثرا على إحساسهم بالأمان، وهى أعلى نسبة بين الدول التى شملها الاستطلاع». 

مدير وكالة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبى، أكد أن 76 بالمئة من اليهود المقيمين فى كل أنحاء أوروبا يخفون هويتهم اليهودية، فى حين قال 34 بالمئة من المشاركين إنهم يتجنبون الأحداث أو المواقع اليهودية، لأنهم لا يشعرون بالأمان».
وفى الولايات المتحدة، أعلنت رابطة مكافحة التشهير «إيه دى إل» الأمريكية، فى أكتوبر 2024، أن حوادث كراهية اليهود والإسرائيليين تحديدا، فى البلاد «زادت ثلاثة أضعاف خلال عام واحد»، وحذرت الرابطة من أن موجة الكراهية والنقد لإسرائيل فاقت المستوى الطبيعى، لدرجة جعلت كبار السياسيين فى العالم يحذرون من الوضع القائم والمتنامى!
هذه الاستطلاعات أجريت منذ أكثر من عام، وقد تفاقمت موجات الكراهية المفرطة لإسرائيل وقد تتحول إلى تسونامى، خلال هذا العام، وعقب مشاهد موت الأطفال والكبار، جوعا نتيجة الحصار الإسرائيلى الخانق، ومنع إدخال المساعدات، وهو أمر لم يتوقعه أكثر اليهود تشاؤما فى العالم.

ووسط هذا الطوفان من الكراهية للإسرائيليين بشكل خاص، واليهود فى العموم، فإن نتنياهو يخرج بتصريحات الغطرسة وغير المحسوبة، وتفتقد للكياسة السياسية، وتقديرات المواقف العسكرية، معلنا أنه قادر على تحقيق الوعد الإلهى المزعوم بإقامة «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات» متناسيا أن جيشه الذى يترنم بقوته، قد لجأ إلى تغيير خطط حربه فى غزة 8 مرات، لفشله فى القضاء على مقاتلى حماس وحسم المعركة سريعا، رغم آلياته العسكرية الجرارة، والمساعدات الأمريكية غير المحدودة، بالمال والعتاد والكوادر!

وإذا كان الجيش صاحب ترنيمة القوة القاهرة، فشل فى قهر مجموعات مسلحة، كيف له أن يؤسس إسرائيل الكبرى، ويخوض معارك مع جيوش قوية، فى ظل اشتعال نار الكراهية فى صدور كل شعوب المنطقة العربية ضد «إسرائيل الصغرى» وتنتظر لحظة بدء تدشين هذا المشروع الهلامى المتصادم مع كل قواعد المنطق والعقل، والمتجاوز لكل القوانين والأعراف الدولية بعدم سلب حقوق الغير؟!

مشروع نتنياهو - «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات» - يهدد بإشعال حروب الفناء والاندثار، وربما تفوق أحداثها الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحينها لن تكون هناك إسرائيل من الأساس، لا صغرى ولا كبرى، وأن الحفاظ على ما حققه اليهود من مكتسبات إقامة دولتهم، قد يذهب أدراج رياح الطمع والغرور!




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب