خلال العشر سنوات الأخيرة لم يتغيب رؤساء دول القارة الأفريقية -إلا قليلا جدا- عن زيارة القاهرة رسميا بعد أن عادت مصر عقب عام 2014 ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم إلى مكانتها الطبيعية ودورها الريادى والتاريخى فى القارة السمراء.
وفى السنوات العشر أيضا شهدت مصر حراكا كبيرا تجاه الـقـارة الأفريقية وتعددت الزيارات الرئاسية إلى غالبية دول القارة -52 دولة- حتى بلغت حوالى 33 زيارة وهو العدد الأكبر من الزيارات لرئيس مصرى إلى أفريقيا، وتشكل النسبة الأكبر من زيارات الرئيس إلى الخارج. وهـو عـدد يعكـس الاهتمـام الكبيـر للرئيـس بالقـارة الأفريقية، ويوضـح أن مصالـح القـارة الأفريقيـة تقـع فـى مقدمـة أولويـات مصـر، وتحتـل جـزءا مهمـا مـن نشـاطات رئيـس الجمهوريـة، بالإضافـة إلـى حـرص الرئيـس السيسـى علـى المشـاركة بنفسـه فـى القمـم الأفريقيـة المختلفـة، أو القمـم الدوليـة المتعلقـة بأفريقيـا والــدور الفاعل لمصر فى معالجة القضايا الأفريقية، لاسيما فى إطار جهود دفع عجلة التنمية بالقارة وصون السلم والأمن فيها.
الـسـنـوات العشر الماضية أظهرت الرغبة الحقيقية فى دعم التكامل مع دول القارة فى كافة القطاعات، وأن اهتمام مصر لم يقتصر على دول حوض النيل فقط، وإنما سعى الرئيس السيسى إلـى تعزيز العلاقات مع أقاليم القارة الأفريقية كافة، سواء فى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب الأفريقى، لم يتوقف اهتمام مصر بأفريقيا بعد انتهاء رئاستها لدورة الاتحاد الأفريقى فى 2019 وإنما استمرت زيارات الرئيس السيسى للدول الأفريقية.
الدور المصرى فى أفريقيا لم ينشغل فقط بأزمة قضية المياه وأزمة "سد النهضة"، وكانت الرسالة المصرية الواضحة لكافة الأشقاء الأفارقة هى أن القاهرة تمد أيادى الدعم والمساندة والتعاون لتحقيق أهداف التنمية فى دول القارة وتوظيف خبراتها وإمكاناتها لصالح التنمية والاستغلال الأمثل لموارد القارة وخاصة الموارد المائية.
وفى الزيارة الأخيرة للقاهرة للرئيس الأوغندى يورى موسيفينى كانت الرسالة المصرية واضحة ومستندة إلى إرث تاريخى كبير فى العلاقات بين البلدين، حيث أكد الرئيس السيسى دعم مصر الكامل لجهود التنمية فى أوغندا، وبقية الأشقاء فى دول حوض النيل الجنوبى، واستعداد مصر للمساهمة فى تمويل مشروع سد "أنجلولو" بين أوغندا وكينيا، من خلال الآلية التى أطلقتها مصر للاستثمار فى مشروعات البنية التحتية فى حوض النيل بتمويل مبدئى قدره 100 مليون دولار. والإعلان عن إبرام مذكرة تفاهم جديدة فى مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية للبناء على التعاون الممتد لأكثر من عشرين عامًا بين البلدين، حفاظًا على بيئة نهر النيل وتنميةً لموارده، بقيمة إجمالية تبلغ 6 مليون دولار على خمس سنوات.
تمويل مشروع سد أنجلولو هو استمرار لتدشين دبلوماسية السدود التى بدأت فى العام 2022 بتدشين ملء بحيرة سد "جوليوس نيريري" التنزانى والذى نفذه فى أقل من 3 سنوات التحالف المصرى لشركتى "المقاولون العرب والسويدى إلكتريك" على نهر روفيجى فى تنزانيا بقيمة استثمارات حوالى 3 مليارات دولار، وفى حضور وفد رسمى مصرى برئاسة سامح شكرى وزير الخارجية وقتها وبمشاركة الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية السابق، وممثلى الشركات المنفذة.
السد يمثل أهمية كبيرة للشعب التنزانى لتوليد الطاقة والسيطرة على فيضان نهر روفيجى، بالإضافة إلى تنظيم استدامة التدفقات المائية اللازمة لزراعة المناطق المحيطة به وممارسة أنشطة الصيد النهري. ويحمى الشعب التنزانى من الخسائر المتكررة سنويا بسبب الفيضانات.
بعد سد جوليوس نيريرى يأتى الدور الآن الى سد أنجلولو ليؤكد نجاح "دبلوماسية السدود" لدعم التنمية فى أفريقيا واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة بالاستعانة بالخبرة المصرية، والتأكيد على أن مصر تعمل منذ عودتها إلى مكانتها الطبيعية فى القارة السمراء إلى دعم التنمية فى دول القارة على عكس ما تردده بعض الأطراف من أن مصر تعرقل التنمية فى القارة السمراء، وهو رد عملى على الأرض تقدمه مصر لكل من يحاول ترويج أكاذيب تزعم وقوف مصر ضد التنمية فى القارة السمراء، والشاهد أن مصر طرحت ولا تزال تمد يدها وتطرح على كل الأشقاء، أن تعاونهم فى قضايا التنمية، لتحقيق المكاسب السياسية والفوائد الاقتصادية المشتركة بين الجانبين.
مصر لا تمانع لتنفيذ مشروعات تحقق الخير والتنمية للشركاء والأشقاء فى دول حوض النيل- كما قال الرئيس- لكنها لن تفرط فى حقوقها فى مياه النيل، وترفض الإجراءات الأحادية فى حوض النيل الشرقى، ومن يعتقد أننا سنغض الطرف عن حقوقنا المائية فهو مخطئ. وهى الرسالة القوية والواضحة للرئيس السيسى لمن يعنيه الأمر.فحجم المياه فى حوض النيل الأزرق والأبيض يصل سنويا الى إلى 1600 مليار متر مكعب. وما يصل الى مصر والسودان حوالى 4% فقط. ولن تسمح مصر أن يكون ملف المياه جزءا من حملة الضغوط على مصر لتحقيق أهداف أخرى.
مصر لا تفرط فى حقوقها لكنها تسعى دائما للتعاون والعمل المشترك والتفاهم الذى يحقق مصالح الدول كافة.