يمكن لنا أن نلقى الضوء على كتاب مهم هو "انتقام الجغرافيا.. ما الذى تخبرنا به الخرائط عن الصراعات المقبلة وعن الحرب ضد المصير" لـ روبرت د. كابلان، ترجمة إيهاب عبد الرحيم علي.
يقول الكتاب فى مقدمته:
أقنعتنى التقارير التى كتبتها على مدى أكثر من ثلاثة عقود بأننا جميعًا بحاجة إلى استعادة إدراكنا للزمان والمكان، الذى قد ضاع فى عصر الطائرة النفاثة وثورة المعلومات، حيث تمكَّنت نخبة صنَّاع الرأى العام من التنقل عبر المحيطات والقارات خلال ساعات؛ مما يسمح لهم بالتحدث بفصاحة عما وصفه الصحافى المتميز بصحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان Friedman باسم «العالم المسطَّح».
وبدلًا من ذلك، فسأعرض على القراء مجموعة من المفكرين غير العصريين من دون ريب، والذين يناهضون بشدة فكرة أن الجغرافيا لم تعد مُهمة. وسأتناول أفكارهم بشيء من التعمق فى النصف الأول من هذه الرحلة من أجل تطبيق حكمتهم فى النصف الثانى منها، من حيث ما وقع وما يمكن أن يحدث فى جميع أنحاء أوراسيا — من أوروبا إلى الصين، بما فى ذلك الشرق الأوسط الكبير وشبه القارة الهندية.
انتقام الجغرافيا
إن معرفة ما قد فُقِد بالتحديد من رؤيتنا للواقع المادي، واكتشاف كيف فقدناه؛ ومن ثم استعادته من خلال إبطاء وتيرة سفرنا ومن خلال الملاحظة ذاتها؛ عن طريق الاستفادة من المعارف الواسعة للعلماء الذين صاروا الآن فى رحاب الله؛ هذا هو الهدف من هذه الرحلة.
إن الجغرافيا، المشتقة من كلمة يونانية تعنى فى الأساس "وصف الأرض"، ترتبط فى كثير من الأحيان بالإيمان بالجَبرية fatalism؛ وبالتالى فهى موصومة: فالتفكير جغرافيًّا يعنى تقليص الخيارات البشرية، كما يقال، ولكن من خلال دراسة أدوات مثل خرائط الإغاثة والدراسات السكانية، أود فقط أن أضيف طبقة أخرى من التعقيد على التحليلات التقليدية للسياسة الخارجية؛ وبالتالى إيجاد وسيلة أعمق وأقوى للنظر إلى العالم، ليس عليك أن تكون مؤمنًا بالحتمية الجغرافية لكى تدرك أن الجغرافيا تمتلك أهمية حيوية. وكلما ازداد انشغالنا بالأحداث الجارية، ازدادت أهمية الأفراد واختياراتهم؛ ولكن كلما ازداد تدبُّرنا لما وقع فى القرون الغابرة، ازداد اقتناعنا بأن الجغرافيا تؤدِّى دورًا مُهمًّا.
يُعد الشرق الأوسط مثالًا حيًّا على ذلك، فى أثناء كتابتى لهذه السطور، كانت المنطقة من المغرب إلى أفغانستان واقعة فى خضمِّ أزمة تتعلق بالسلطة المركزية، لقد صار النظام القديم المكوَّن من الأنظمة الاستبدادية واهيًا، على الرغم من كون الطريق نحو ديمقراطية مستقرة لا يزال ملتويًا، تميزت المرحلة الأولى من هذا الاضطراب الشديد بهزيمة الجغرافيا بفعل تقنيات الاتصالات الجديدة، عملت القنوات الفضائية والشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت على خلق مجتمع واحد من المتظاهرين فى جميع أنحاء العالم العربي: بحيث استلهم دعاة الديمقراطية فى أماكن متباينة مثل مصر، واليمن، والبحرين ما بدأت شرارته فى تونس. وبالتالي، كان هناك عدد من القواسم المشتركة فى الأوضاع السياسية فى كل هذه البلدان. ولكن مع تواصل الثورة، بات واضحًا أن كل بلد قد صاغ روايته الخاصَّة لها، والتى تتأثر بدورها بتاريخه العميق وبجغرافيته المتميزة. وكلما ازدادت معرفة المرء بتاريخ وجغرافية أى دولة بعينها فى الشرق الأوسط، تناقص اندهاشه من مسار الأحداث هناك.