في إحدى ورش العمل التي نظمتها مع مجموعة من الأطفال في إحدى القرى، طلبت منهم أن يرسموا "ما يتمنونه في المدرسة" لم يرسم أحدهم سبّورة، ولا كتابًا، ولا حتى وجبة لذيذة، بل رسموا "مراجيح" و"كُرة" و"مكان نلعب فيه.
بالتأكيد، لا أحد يُنكر أهمية العلم والمعرفة، فالتعليم هو حجر الأساس لبناء الإنسان والمجتمع. لكنّ إجابات الأطفال كشفت عن شيء آخر لا يقل أهمية وهى حاجتهم إلى الفرح، إلى اللعب، إلى لحظة تنفس داخل يومهم الدراسي.
سألت نفسي: هل نحن نمنح أطفالنا ما يحتاجونه فعلًا.. أم ما نظنه نحن مهمًا لهم؟
في واقعنا اليوم، اللعب صار عند الكثيرين مجرد رفاهية، و"تضييع وقت" في نظر البعض، و"عائق عن المذاكرة" في نظر آخرين. بينما في الحقيقة، اللعب هو حق إنساني أصيل، ووسيلة أساسية لنمو الطفل نفسيًا وعقليًا واجتماعيًا.
اللعب حق منصوص عليه فى الاتفاقيات الدولية
قد لا يعلم البعض أن اتفاقية حقوق الطفل – التي وقّعت عليها معظم دول العالم – تنص صراحة في المادة 31 على أن:
لكل طفل الحق في الراحة وأوقات الفراغ، وفي مزاولة الألعاب والأنشطة الترفيهية المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية والفنية.
هذا يعني أن حرمان الطفل من اللعب هو انتهاك لحقه، لا يقل عن حرمانه من التعليم أو الصحة.
اللعب… يبني عقلًا متوازنًا
علم النفس والتربية الحديثة أثبتا أن اللعب ليس فقط وسيلة للمرح، بل وسيلة لبناء الإنسان
ينمّي المهارات الحركية الدقيقة والعامة
يعزز الخيال والإبداع وحل المشكلات
يدعم تكوين الصداقات وبناء العلاقات الاجتماعية
يساعد الطفل على التعبير عن مشاعره والتعامل مع القلق والخوف
الطفل الذي يلعب بانتظام هو طفل أكثر توازنًا… أكثر قدرة على التعلّم… وأكثر سعادة
اللعب والتعليم خصمان أم حليفان؟
تخطئ كثير من المؤسسات حين تفصل بين اللعب والتعليم
التعلّم الحقيقي لا يحدث تحت ضغط، بل في بيئة ممتعة ومحفّزة
في عدد من الدول المتقدمة، مثل السويد وكندا وهولندا، يُنظر إلى اللعب كجزء لا يتجزأ من عملية التعليم. تُدمج الأنشطة الترفيهية والألعاب التربوية داخل الفصول الدراسية، وتُخصص أوقات يومية للعب الحر باعتباره محفزًا على التعلم وبناء المهارات الاجتماعية والوجدانية، وليس مجرد استراحة بين الحصص .
هل يمكننا أن نتعلّم من ذلك؟ نعم.. بل يجب
هناك خطوات فعلية .. لإعادة الاعتبار للعب كحق أصيل فى:
البيت: خصص لطفلك وقتًا يوميًا للعب الحر – دون شاشات – وشاركه في ذلك
المدرسة: لنطالب بعودة حصص الألعاب والفنون والأنشطة الترفيهية
المجتمع: ندعم المبادرات التي توفر ساحات لعب آمنة ومجانية للأطفال
كلمة أخيرة
نحن لا نطالب بأكثر من أن يحصل الطفل على حقه… لا نطلب ترفًا، بل فطرة
فاللعب ليس تضييعًا للوقت… بل هو وقت الحياة الحقيقي، حيث يبني الطفل ذاته، ويكتشف العالم، ويتعلم أن يكون إنسانً نافعا لنفسه ولوطنه فى المستقبل .
فلنُعِد لهذا الحق مكانته. ولنتعلّم أن نأخذ اللعب… على محمل الجد
لو عاوز ابنك يتعلم بحق سيبه يلعب لأن اللعب مش رفاهية ده بداية لعقل متعلم .. وقلب سليم.
-
الباحث بالمجلس القومى لحقوق الإنسان