في زمن يركض فيه الجميع خلف كل شيء، ينتهي كثيرون بلا شيء، هناك من يريد القمة دون أن يمر على السفح، ومن يطلب البحر وهو لا يملك حتى دلوًا، ومن يفتح فمه لالتهام الدنيا دفعة واحدة، فيشرق بالحسرة قبل أن يبتلع أول قضمة.
الطموح نعمة حين يعرف صاحبه قدر النعمة، ويصير نقمة حين يتحول إلى طمعٍ لا يرتوي، الطموح يسير على قدمين ثابتتين، يعرف وجهته ولا يتعجل قطاف الثمار قبل أوانها، أما الطمع، فيقفز بلا نظر، يمد يده إلى المدى كله، فيعود خالي الوفاض، لا نال القريب ولا أدرك البعيد.
هناك من ينظر إلى ما في يد غيره، فيفقد البركة فيما في يده، يلهث خلف المزيد، ويحسب أن السعادة تقبع في الكثرة، بينما تمر السعادة بجواره كل صباح، فيغفل عنها وهو يركض نحو سراب.
نعم، من يريد كل شيء، يخسر كل شيء، يخسر الرضا، ويخسر التقدير، ويخسر حتى الاستمتاع بما لديه، يصبح قلبه مزدحمًا بالرغبات، فلا مكان فيه للامتنان، يشرب من نبع الحياة ولا يروى، لأن النفس المتعطشة للجمع لا تعرف طعم الاكتفاء.
هل جربت أن تتأمل ما تملك؟ أن تشكر بدل أن تتذمر؟ أن تفرح بنعمة في يدك، لا أن تحزن على نعمة في يد غيرك؟ كثيرون يحلمون بما تملكه، بينما أنت تحلم بما في خزائنهم، فيغيب عنك أنك ربما أغنى منهم بقلبك، بعافيتك، بابتسامة لا تُشترى.
الطموح يسكن الإنسان، لكن لا تدعه يتحول إلى وحشٍ ينهش هدوءك، اسعَ، نعم، لكن بخطى ثابتة، وبقلب ممتن، وبعين ترى الجمال فيما بين يديك قبل أن تنظر إلى ما لدى غيرك. الطامع لا ينام، والطامح يحلم، والطريق بينهما، وإن تقاطعت أحيانًا، لا تفضي إلى نفس المصير.
في النهاية، من يسعى لكل شيء، قد ينسى نفسه في الطريق، وقد يستفيق على قلبٍ مُتعب، وعينٍ لم تذق لذة الاكتفاء، وروحٍ عطشى وسط بحر من المقتنيات، فاختر طريقك، ولا تنسَ أن تشكر الله، فإن الشكر مفتاح المزيد، والرضا باب السلام.