تعد الثانوية العامة واحدة من أهم المرحل الدراسية فى حياة أى طلاب، خاصة أنها العامل الأساسي والمؤهل للحياة الجامعية فيما بعد، والتى تؤهله بشكل كبير إلى سوق العمل، وفى ضوء ذلك تواصلنا مع عالم المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير للحديث عن ذكريات تلك المرحلة.
حين يصبح الحلم عبئًا
قال الدكتور حسين عبد البصير إن الثانوية العامة مجرّد نطق الكلمتين كفيل بأن يوقظ في النفس زوبعةً من المشاعر المتشابكة: قلقٌ يعصف بالقلب، ورهبةٌ تتربّص بالعقل، وأملٌ خافت يلوح من بعيد، وتعبٌ يحفر أخاديده في الروح، وساعاتٌ طويلة من السهر والتوتر والانتظار.
ذاكرة لا تنام
وأضاف عالم المصريات حسين عبد البصير، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أتذكّر تلك الأيام جيدًا، كما لو كانت البارحة، كنت أستيقظ قبل شروق الشمس، بينما المدينة غارقة فى صمتها، افتح كتب التاريخ واللغة الإنجليزية والفرنسية كأنها نصوص مقدّسة، أتعامل معها بخشوع الطالب الصوفيّ في محرابه، أما الجغرافيا، فكنت أدرسها كما لو كنت أفكّ شفرات فرعونية، أبحث عن مفتاح الكلية التي راودتني طويلًا في أحلامي، كما كانت اللغة العربية ملاذي وسري، فيها وجدت نفسي، وكتبت وتأمّلت، وابتعدت قليلًا عن صرامة المنطق وجفاف الفلسفة، ووجدت مساحة لأتذكّر من أكون.
ضغط المجتمع وتوقعاته
وتابع ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: كان الضغط قاسيًا، عامًا مليئًا بالتوقعات، بالخوف، بالأسئلة المتكررة: "هتدخل إيه؟ هتجيب كام؟ طب ما تحوّل علمي؟ الطب أحسن... الهندسة أضمن"، كل شخص في حياتي كان يحمل لي حلمًا مرسومًا، كأنني مشروع عام مطروح للمناقصة.
النتيجة.. لحظة مصير
ولفت الدكتور حسين عبد البصير إلى أن يوم النتيجة لحظة لا تُنسى مهما طال الزمن، جلستُ أمام الورقة كأنني أمام مصيرى، 80%، رقم لم يُبهر البعض، لكنه كان كافيًا لي، لم يكن فقط حصاد عام، بل إعلان بداية طريق، راهنت على اللغة العربية في المستوى الرفيع، وكان أملي أن أبلغ بها بوابة قسم الآثار في جامعة القاهرة.
رهان على الشغف.. لا على المجموع
وأكد الدكتور "حسين" أن قرارى بدخول القسم الأدبى كان تمردًا، فالمجتمع يقدّس العلميات والطب والهندسة، لكننى اخترت شغفى، اجتهدت وكنت من أوائل الدفعة فى كلية الآثار، أربع سنوات كاملة، لم يكن المجموع مجرد رقم، بل بوابة عبور نحو ما يُشبه المصير.
كلية الآثار.. الحلم الذى يشبه المعجزة
وأضاف عالم المصريات أنه حين دخلت الكلية، لم أرها مجرد مبنى، بل بوابة زمنية لفهم الإنسان عبر العصور، شعرت أنني لم أعد فقط أقرأ التاريخ، بل أشارك في فهمه وصناعته، ورغم دهشة العائلة: "ليه مش سياحة؟ إعلام؟ اقتصاد وعلوم سياسية؟" كنت أعلم فى أعماقى أننى بدأت أكتب تاريخي بيدي، لا بأقلام الآخرين.
رسالة لكل طالب وطالبة
وأنهى الدكتور حسين عبد البصير حديثة بتقديم رسالة إلى كل طالب وطالبة، حيث قال: الثانوية العامة ليست نهاية العالم، بل مجرد محطة مؤقتة، نعم، قد تكون صعبة، مرهقة، ومربكة، لكنها ليست نهاية الطريق، المهم أن تعرف من أنت، وماذا تريد، وأن تتحمّل مسئولية قرارك بشجاعة، لا تجعل الآخرين يقررون مصيرك، ولا تجعل الأرقام تحدّد قيمتك، ابحث عن شغفك، عن الشيء الذي يُشعلك من الداخل، النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالدرجات، بل بالقدرة على أن تكون ذاتك.