من الطبيعي أن يعيش الإنسان مدركًا لماضية، ومركزًا في حاضره المعاش، ولديه تصور عن خيوط مستقبله؛ لكنه دومًا يعيش ولديه بعض التوجس، نحو ما سيأتي في قابل الأيام، وهنا نتحدث عن قلق مشروع، تجاه حدث منتظر؛ لكن ينبغي ألا يتزايد لدينا، للحد الذي قد يشعرنا بصعوبة تجاه تقبل الأمور؛ ومن ثم نهرول لتفكير سلبي، يتسلل إلى أذهاننا، وهذا ما يشكل في جملته ضغوطًا، قد تؤدي في بعض الأوقات إلى ضعف الثقة في الذات؛ نتيجة لتخوفات فاقت مستوياتها الطبيعية؛ فتصير مرضًا مزمنًا.
نؤكد لأبنائنا الطلاب المنتظرين والمترقبين لنتيجتهم، ولأولياء الأمور أيضًا، أن الإعلان عن النتيجة، بداية لمرحلة تتطلب التفكير العميق والمتأني؛ كي يختار الطالب مسارًا محببًا لديه، ويتناسب مع قدراته وإمكانياته، وما يتطلع إليه، بغض النظر عن المجموع المؤهل للسلم التعليمي الأعلى بالجامعة، وهذا يجعلنا ندرك أن درجات فلذات أكبادنا في الشهادة الثانوية، ليست نهاية المطاف، أو التي على أثرها يتحدد المستقبل.
الأمل الخاص لدى الإنسان منا، إحدى مكونات الوجدان الراقي، التي تجعل أنظارنا موجهة نحو غاية مشروعة؛ إذ تزيد رغبتنا في الوصول إليها وتحقيقها، بعد طول انتظار، وبذل جهد حميد متواصل، وهذا الرجاء نثمن من قدره ومقداره، الذي من شأنه أن يضفي علينا إيجابية مفعمة بنبض حياة زاخرة بالأمنيات والتطلعات؛ لكن لا نريد أن نعلق على هذه العاطفة الجياشة كل أمانينا؛ فنتوقف عندما لا نبلغ المنشود.
يصعب أن ننكر قلق الآباء، وطموحات الأبناء؛ لكن اعتقد أن النظر إلى واقع سوق العمل، يعد الأهم في المعادلة، وليس المجموع، الذي نعقد عليه الآمال؛ فالعجب من الذين مازالوا يروجون لمفهوم كليات القمة، التي لها مستقبل مضمون، هذا الأمر يحتاج لمراجعة في ظل سوق عمل تطورت، مدخلاته، وعملياته، ومخرجاته؛ فثمت تخصصات تضمن للفرد مكانة مرموقة في هذا السوق المفتوح، الذي يبحث عمن يمتلك التفرد المهاري، والخبرات المربية في العديد من المجالات النوعية.
نوضح لأولياء الأمور بالأسرة المصرية، أن ما يمتلكه الطالب من قدرات ومهارات، وما يكمن في خلجان نفسه من ميول لمجال بعينه، باتت متغيرات، يتوجب أن تؤخذ في الحسبان، للالتحاق بالمجالات القادمة؛ كونها تعزز الحماسة لدى الفرد، ليبذل أقصى ما لديه من جهد، ويحثه على دأب اكتساب الخبرات النوعية، التي تؤهله قطعًا لسوق العمل المتميز؛ لكن تجاهل ذلك، والتركيز على المجموع، الذي يؤهله لكلية ما، لا شك أنه يفقده شغفه للتعلم، بل، يشعره بالقلق والخشية من الفشل، وفي كثير من الأحيان، لا يستطيع أن يواصل طريقه، أو قد يحصل على تقديرات لا تروق له ولأسرته.
دعونا لا نترقب النتيجة، ومجموع الطالب، ونستكشف معه أمورًا مهمةً، تساعدنا في اختيار المرحلة المقبلة بطمأنينة وارتياح، ولا تجعلنا مرتبكين غير مدركين لطبيعة المرحلة المقبلة؛ كي نختار بطريقة صحيحة، وفق ما نصل إليه من قناعات تشاركية، وهنا ندير حوارًا مفتوحًا، يسمح للفرد أن يخرج ما لديه من أفكار، ويستعرض مهاراته النوعية ورغباته، التي يميل إليها في خضم متلون العلم، وتعالوا بنا نتحدث عن تصوراتنا تجاه سوق العمل، وفرصه التي تواءم قدراتنا الخاصة؛ لنعمل على تعظيمها بمرحلة التعليم المستقبلية.
يتوجب علينا ألا نسمح بهاجس المجموع أن يقسو على وجدانيات فلذات أكبادنا، وننظر إلى آليات نجاح الطالب في مساره الأكاديمي القادم؛ حيث فقه الاختيار الذي يقوم على معايير يحددها بعد نقاش وحوار مع الأسرة التي تدعم مسيرته، وتقوي شوكته وتزيد من منعته؛ فيقدم ولديه إصرار وعزيمة؛ كي يحقق نجاحات متتالية، تدفعه إلى مزيد من التعلم، واكتساب المهارات النوعية المتفردة، التي يتعطش إليها سوق العمل المحلي والعالمي على حدٍ سواءٍ.
ينبغي أن نمتلك القناعة التامة، بأنه لا توجد كلية أفضل من أخرى؛ لكن هناك إعداد لطالب أفضل جاهزية لسوق العمل، وهذه الثقافة تصلح في أفهامنا مصطلحات توارثناها؛ فأسفرت عن سلبيات يصعب حصرها، بددت جهود وطاقات، وجعلت الطريق ضبابيًا أمام كثير من الأبناء؛ لذا ترقب نتيجة الثانوية، لا يجعلنا لا نهتم بالدرجات التي يحصل عليها الطالب؛ لكن نولى اهتمامًا بطبيعة التخصص الذي يود الالتحاق به.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
_____
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر