ما حكم الهدي لمن صام ثلاثة أيام في الحج ثم قدر عليه؟ فهناك رجلٌ أحرم بالحج متمتعًا، ولم تكن لديه القدرة المالية على شراء الهدي، فصام ثلاثة أيامٍ في الحج، ثم تيسَّرت حالُه، فهل يجب عليه الهدي؟، سؤال أجابت عنه دار الافتاء بالآتى: لا يجب على الرجل المذكور الهديُ بعدما صام ثلاثةَ أيامٍ في الحج بَدَلًا عنه حيث لَم تكن لديه القدرة المالية على شرائه، حتى وإنْ تيسَّرت حالُه، فإن أراد الرجوع إلى الهدي جاز له ذلك.
مفهوم حج التمتع
التمتع: هو أنْ يُحرم الحاجُّ بالعمرة في أشهر الحج مِن ميقات بلده أو مِن غيره مِن المواقيت المكانية التي يمر بها أو مما يحاذيها، ثم يؤديها وَيَفْرُغَ منها، ثم يُنْشِئَ حجًّا مِن عامه دون أنْ يرجع إلى الميقات للإحرام بالحج، وإنما سمي بـ"التمتع"؛ لتمتع صاحبه بإحلال محظورات الإحرام له في فترةِ ما بين تَحَلُّلِهِ مِن العمرة وإحرامه بالحج، وقيل: لتمتعه بسقوط العَوْدة في حَقِّه إلى الميقات ليُحرِمَ منه بالحج، وقيل: لهذين السببين معًا.
حكم الهدي لمن صام ثلاثة أيام في الحج ثم قدر عليه
إذا وُفِّقَ القادمُ مِن الآفاق -وهي: الأماكن الخارجة عن حدود المواقيت المكانية- وأتى بأعمال العمرة في أشهر الحج، ثم مكث في مكة حتى أدَّى مناسك الحج في نفس العام -على النحو المذكور سابقًا-: فإنه يصير بذلك متمتعًا بإجماع الفقهاء، ويجب عليه حينئذ أنْ يُهدي دمًا ما دام مستطيعًا؛ ويسمى "هدي التمتع"، وإلا فعليه الصيام عشرة أيام؛ كما في "الإجماع" للإمام ابن المُنْذِر .
والأصل في ذلك: أن يصوم الحاجُّ ثلاثةَ أيام في الحج، وسَبْعَةً بعد رجوعه إلى أهله؛ لقول الله تعالى في مُحْكَم التنزيل: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 196].
قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد" : [وأجمعوا أن هذه الكفارة على الترتيب، وأنَّ مَن لَم يجد الهدي فعليه الصيام] .
ومِن ثَمَّ، فإذا صام المتمتعُ الأيامَ الثلاثة التي وَجَبَت عليه في الحج -كما هي مسألتنا- فليس عليه هديٌ ولو استطاع وأَيْسَرَ بعد ذلك، ويُكمِل ما عليه مِن صيام سبعة أيام إذا رَجَع مِن حَجِّهِ؛ لأنه لَمَّا عجز عن الهدي انتَقَل إلى البَدَل عنه وهو الصيام، فلا يكون بذلك مطالَبًا بالهدي، ولا يلزمه الرجوع إليه، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء مِن المالكية والشافعية والحنابلة، فإن عاد للهدي جاز له ذلك، واستحبه الشافعية.
ووافَقَ الحنفيةُ الجمهورَ في عدم الانتقال إلى الهدي بعد صيام الأيام الثلاثة، إلا أنهم اشترطوا أن يكون ذلك بعد التحلُّل بالحَلْق أو التقصير، بحيث لو وَجَد الهديَ قبل أن يَحْلِقَ أو يُقَصِّرَ وَجَبَ عليه الهدي، وبطل حُكمُ الصوم في حَقِّهِ.
فأفادت هذه النصوص أنَّ مَن أَكمَل صيامَ الأيامِ الثلاثةِ فإنه لا يجب عليه الرجوع إلى الهدي إذا قدر عليه.
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه لا يجب على الرجل المذكور الهديُ بعدما صام ثلاثةَ أيامٍ في الحج بَدَلًا عنه حيث لَم تكن لديه القدرة المالية على شرائه، حتى وإنْ تيسَّرت حالُه، فإن أراد الرجوع إلى الهدي جاز له ذلك.
لمزيد من الفتاوى عن أحكام الحج اضغط هنا..