في زمنٍ كثُرت فيه العيون الراصدة والقلوب الغائبة، يغدو الانشغال بعيوب الناس رياضة شعبية، وسهام النقد تُطلق على كل نافذة تُفتح.
وبين من يتفننون في تفصيل الأخطاء على مقاس الآخرين، تمرّ هذه الحكمة مثل نسمة عاقلة: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس".
نعم، طوبى له، لأنه نجا، نجا من الوقوع في فخ التسلّي بأوجاع الغير، ومن وهم التفوّق الكاذب عبر مقارنة مكسورة، نجا من أن يكون قاضيًا لا يملك ميزانًا، ومن أن يُفتش في دفاتر الآخرين بينما دفتره يئنّ تحت غبار التقصير.
من شغله عيبه، انشغل بعُمره بدلًا من أعمار الآخرين، ومن روحه بدلًا من صور الناس، فصار يرى الحياة بمرآة الداخل، لا بعدسة الحكم السريع.
هو يعلم أن الكمال حُلم لا يتحقّق، وأن الإنسان يولد بنقص، ويعيش بنقص، ويموت بنقص، لذا لا يمشي بين الناس وكأنه المُصلح الوحيد، بل كالتلميذ الدائم في مدرسة الحياة.
أما من امتلأ قلبه بعيوب الناس، فغالبًا ما يكون قد أدار وجهه عن عيوبه، يفتّش في النوايا، ويفكك الكلمات، ويعيد صياغة المواقف بما يخدم شكوكه.
هو لا يرى نفسه، لأن رؤية النفس مؤلمة، وتتطلّب شجاعة نادرة، أما تتبع العثرات، فمتعة باردة لا تكلّف شيئًا سوى ضمير نائم.
المشكلة ليست في أن نُلاحظ، بل في أن نُدين دون أن نُصلح أنفسنا، أن نُبصر الغبار في عين غيرنا، ولا نرى الشوكة في أعيننا، أن نُعاتب على تقصير ونحن نُقصّر في كل اتجاه.
من أراد راحة القلب، فليتوضأ كل صباح من نية التدخل في شؤون غيره، وليُمسك لسانه عن تصدير الأحكام، فكل شخص يُخفي وراء ابتسامته معركة، وكل روح تُقاتل ما لا يُقال.
والعيب، حين ننسى هذا ونُصبح هواة فضول باسم النصيحة، وقُضاة بلا إذن أو علم.
يا ليتنا نُشغل أنفسنا بما يخصّنا، فنُهذّب طباعنا، ونُصلح قلوبنا، ونُعيد ترتيب أفكارنا، ليتنا نؤمن أن لكل إنسان طريقًا، وأن الله لم يجعلنا وكلاء على ضمائر البشر، بل أوكل إلينا أنفسنا فقط، وهي بالمناسبة مسؤولية ثقيلة تكفي وحدها لمن أراد الانشغال المفيد.
فيا من تتأمل في غيرك، التفِت لحظة إلى مرآتك، قد تجد عيبًا يستحق أن تُصلحه قبل أن تشير، وقد تكتشف أن أجمل الناس من شغله عيبه عن عيوب الناس.