أصعب لحظة في حياتي هي لحظة وفاة والدي، فقد مر في مخيلتي شريط الذكريات، ورغم إيماني بإن الموت حق، وأنه حقيقة مؤكدة، وأعمارنا على قدر وصول سهم أطلق ناحيتنا مع مولدنا، وعمر كل منا على قدر وصول السهم إليه.
وهناك في حياة كل إنسان حقيقة مؤكدة، وهي المولد والممات، يكون في كليهما مسلوب الإرادة، أول حقيقة هي مولدة، وفي تلك الحالة يعتمد على غيرة في قضاء أمورة المعيشية حتى يشتد عوده ويستطيع أن يقضي مصالحه بنفسه، ويساعده حسبه ونسبه وتعليمة وأمواله ومنصبه، وثاني حقيقة هي موته ويحتاج في تلك المرحلة من يكفنه ويدفنه ويترحم عليه، ويسبقه إلى قبره عمله ويبقى له في الدنيا علم ينتفع به أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له، وفي كلا الحالتين الولادة والموت تتباين المشاعر الإنسانية للمحطين به من أرحامه ما بين الفرحة واللهفة والحزن.
وعند الحديث عن المرحوم والدي، فالحالة الأولى مولدة، فقد ولد في قرية إبيار مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، وانتقل إلى كفر الزيات لتلقي التعليم حيث لم تكن المدارس متاحة في تلك الفترة في القرى، ثم انتقل إلى مدينة طنطا، ومن ثم انتقل مع والده إلى شبرا مصر، حيث يعمل موجها بوزارة التربية والتعليم في إدارة شبرا التعليمية، وتلقى رحمه الله عليه تعليمه في جامعة القاهرة، وقد تنقل والدي في أكثر من مدينة، حيث عمل في أسوان وطنطا وكفر الزيات، وغيرهما من المدن.
وقد كان رحمه الله عليه بارا بوالديه ورفض عقد إعارة في الخليج وأعطاه إلى أخيه ليخدم والديه في حياتهما، وكرمهما عند موتهما، وقد كان طيب القلب لا يجادل ولا يعاتب ولا يكذب، يخدم الكبير والصغير وكان جزيل العطاء لي ولأخوتي، وكان يزيد في العطاء لأخي الأكبر وزوجته وأولاده، لأنه الكبير، وكان يعامل شقيقتى بود ورحمة لأنها أرمله تربي أربعه أيتام، وكان يبتسم لي ويضحك لأني كنت أصغر أبنائه، وكنت أعامله ولازلت أعامل والدتي بحنان ورفق كوني حلقة الوصل بينهما وبين العالم الخارجي، ويعتمد هو ووالدتي "أطال الله عمرها" على زوجتي وأولادي وذلك عن طيب خاطر وود وحب.
وقد عاني المرحوم ابي من المرض اخر سنتين في عمره، وقد كان حنون ومسالم يتحدث بعفوية، وقد عشت معه أنا واسرتي آخر فترات حياته لقضاء أخي إجازة في الإسكندرية.
وقد توفي والدي رحمة الله عليه يوم الجمعة التي تلت عيد الفطر المبارك، وأنا بمفردي وقت أذان الجمعة، وكأن عمله الصالح جعل المساجد تلقنه الشهادة، وقد صام شهر رمضان كله رغم مرضه وجواز إفطاره، ولجميع من يقرأ مقالي رجاء من سيادتكم الدعاء معي أن يغفر الله تعالي لوالدي وأن يرحمه وأن يدخله الجنة، وأن يجعل الله تعالى فترة مرضة رافعة لدرجاته.