محمود عبدالراضى

"العريش".. بين عبق التاريخ ونبض الحاضر

الثلاثاء، 08 أبريل 2025 10:50 ص


على ضفاف التاريخ، تتلألأ مدينة العريش في شمال سيناء كأنها لوحة فنية رسمتها يد الطبيعة، يخطها الزمن بكل أبعاده، ومع تردد اسم العريش في الأفق السياسي تزامنًا مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لها، يتجدد الحديث عن هذه المدينة الساحلية التي تجمع بين عبق الماضي وسحر الحاضر.

فهي، كما اكتشفت خلال زيارتي لها، ليست مجرد مدينة عابرة، بل هي رواية حيّة تُنسج خيوطها في كل زاوية وكل شوارعها، حيث يلتقي البحر بالسماء وتتناغم أمواج البحر مع ألحان الذكريات.

من حي المساعيد إلى ضاحية السلام، ومن أبي صقل إلى كرم أبو نجيلة، تحمل شوارع العريش قصصًا ترويها الوجوه المبتسمة، القلوب الطيبة، والأيادي التي تبني وتزرع.
وفي كل شارع، يظهر الجمال في أبسط صوره، في النخيل الذي يقف كشاهد على الزمن، وفي أجواء المدينة التي تجمع بين الحنين والتجديد.
هنا، على كورنيش الشاطئ، يتنفس الزائر عبير النخيل، الذي يمتد كحارس أمين على المدينة، ليذكر الجميع أن العريش ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي قلب نابض ينبض بالحياة.

وفي متحف التراث البيئي، تتنفس الحكايات القديمة، وتستعيد العريش قصصها وتاريخها الممتد.
"مدينة العرش"، كما كانت تُعرف قديمًا، ليست مجرد اسم عابر، بل هي قصة حية، حيث يقال إن يوسف عليه السلام استقبل فيها إخوته، وإن إبراهيم عليه السلام نصب فيها عريشًا، وأُشيع أن بها قبور عشرة أنبياء.
تبدو العريش وكأنها قطعة من السماء، سقطت على الأرض تحمل بين طياتها أسرارًا لا تُعد ولا تُحصى.

وعلى مر السنين، أصبحت العريش رمزًا للبساطة والطيبة، ففي أحيائها مثل الفواخرية والسمران، يعيش أهلها بقلوب مليئة بالحب، حيث القصص تُروى على نغمات الشاي الممزوج برائحة النخيل.
أما في آل أيوب وعاطف السادات، تتجلى روح الوطنية التي امتزجت بأحلام الغد وآمال المستقبل، لتكون العريش مركزًا للانتماء والولاء.

لكن العريش اليوم ليست مجرد شاطئ ساحر أو تاريخ عريق، بل هي روح تتنفس من قلب كل من عاش فيها وارتبط بها.
في قلب هذه المدينة، نسج الزمن ذكرياته مع عمي الراحل عبد الرحمن عبد الراضي الذي كان يعمل مديرا للعلاقات العامة بالمحافظة، الذي كان يمثل جسرًا إنسانيًا يربط بين جنوب الوادي وشماله.
في بداية ثمانينيات القرن الماضي، حمل عمي أحلامه في حقيبته وذهب إلى العريش، حيث كانت المدينة آنذاك هادئة كنسيم البحر، وكأنها واحة من الطمأنينة.
لم تكن تلك الرحلة مجرد انتقال جغرافي، بل كانت بداية علاقة إنسانية عميقة بين جنوب الوادي وشماله، وها هي العريش اليوم جزء لا يتجزأ من جغرافيا قلوبنا، حيث أصبح المكان جزءًا من الروح، والمستقبل جزءًا من التاريخ.

العريش اليوم هي أكثر من مجرد مدينة على أطراف الوطن، إنها قصة سطرتها الأيادي البيضاء، وقصة حب ممتزجة بالجغرافيا والمشاعر، هي روح الحياة التي لا تتوقف عن العطاء، صفحة من كتابنا نرويها للأجيال القادمة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب