سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 أبريل 1822.. محمد على باشا يأمر مجددا بنفى عمر مكرم إلى طنطا رغم ابتعاده عن الجماهير وعزلته فى داره وسفينة تنقله فورا من «ساحل مصر القديمة»

السبت، 05 أبريل 2025 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 أبريل 1822.. محمد على باشا يأمر مجددا بنفى عمر مكرم إلى طنطا رغم ابتعاده عن الجماهير وعزلته فى داره وسفينة تنقله فورا من «ساحل مصر القديمة» محمد على باشا

سعيد الشحات

ذهب أحد ضباط محمد على باشا والى مصر إلى الشيخ عمر مكرم بمنزله فى «أثر النبى» بمصر القديمة يوم 5 أبريل، مثل هذا اليوم، 1822، فأيقظه من نومه، ولما رآه الضابط وقف متأدبا وقبل يديه، وجرت محادثة قصيرة بينهما ليس أعظم منها دلالة ومغزى، حسبما يذكر محمد فريد أبوحديد فى كتابه «السيد عمر مكرم».


يذكر «أبوحديد» نص المحادثة، قائلا: «قال السيد للضابط: خير إن شاء الله، فقال الضابط: سيدى الباشا محمد على يأمرك بسفرك إلى طنطا، فلم يسأله عمر مكرم ولم يراجعه، بل قال هادئا: متى أراد فأنا مستعد، وسأعد سفينة للسفر، رد الضابط: كل شىء معد يا سيدى على ساحل النيل فى مصر القديمة، فهز الشيخ الوقور رأسه، وقال: إذن هلم».


سافر عمر مكرم إلى طنطا منفيا بأمر محمد على، وكانت المحنة هذه المرة هى الختامية فى سلسلة المحن التى فرضها الباشا عليه، رغم أنه كان زعيم الانتفاضة الشعبية التى نصبته حاكما لمصر فى مايو 1805، غير أن «الباشا» اعتزم على الاقتصاص منه لمعارضته فى بعض سياساته، فعزله من منصبه نقيبا للأشراف ونفاه إلى دمياط، وفقا للدكتور عبدالعزيز محمد الشناوى فى الجزء الثانى من كتابه «الأزهر جامع وجامعة»، مضيفا: «حدد محمد على 12 أغسطس 1809 موعدا لترحيل عمر مكرم، وندب أحد الضباط ليصحبه فى رحلته إلى دمياط»، وينقل عن «الجبرتى» وصفه لمشهد وداعه، قائلا: «شيعه الكثير من المتعممين وغيرهم، وهم يتباكون حوله حزنا على فراقه، وكذلك اغتم الناس على سفره وخروجه من مصر، القاهرة، لأنه كان ركنا وملجأ ومقصدا للناس».


يؤكد «الشناوى» أن هذا النفى الأول لعمر مكرم كان المرحلة الأولى والمهمة لمأساته وأفول نجمه السياسى، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»: «عاش فى دمياط تحت المراقبة والحراس ملازمون له إلى أن تشفَع له قاضى القضاة، صديق أفندى، لدى محمد على، فأذن له بالانتقال إلى طنطا بعد أربع سنوات قضاها فى دمياط، وفى طنطا امتدت إقامته سبع سنوات حتى طلب الإذن له أن يؤدى فريضة الحج، وكان محمد على فى قمة المجد والسلطة، فتلطف بقبول طلبه، وأذن له بالذهاب إلى القاهرة ويقيم بداره إلى آوان الحج»، وقال لجلسائه: «أنا لم أتركه فى الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة، والآن لم يتبق شىء من ذلك، فإنه أبى، وبينى وبينه ما لا أنساه من المحبة والمعروف».


ينقل «الشناوى» عن «الجبرتى» حالة الناس حين عرفت بخبر عودة عمر مكرم إلى القاهرة، قائلا: «انتشر النبأ بين أهل القاهرة، وكان الناس بين مصدق ومكذب، حتى وصل فى 9 يناير 1819 إلى بولاق، وقصد إلى مسجد الإمام الشافعى وزار ضريحه، ثم صعد إلى القلعة، وقابل الكتخدا «المحافظ» وسلم عليه، ونظم الشعراء القصائد مرحبين بمقدمه، وقدم لهم العطايا فى حدود إمكاناته المالية، ولم ينس الشعب زعامة عمر مكرم، واستمر ازدحام الناس على داره، الأمر الذى أثار مخاوف محمد على من جديد، فآثر عمر مكرم الابتعاد عن الجماهير، واعتكف فى داره لا يغادرها، ويؤكد «الجبرتى»: «استمر ازدحام الناس أياما، ثم امتنع عن الجلوس فى المجلس العام نهارا، واعتكف بحجرته الخاصة، فلا يجتمع به إلا بعض من يريده من الأفراد».


بالرغم من هذه العزلة التى فرضها عمر مكرم على نفسه، فإنه لم يكن بمنجاة من ظنون وبطش محمد على، وفقا لـ«الشناوى»، مضيفا: «فى 29 مارس 1822 أقام أهل القاهرة انتفاضة، فاعتقد محمد على أن لعمر مكرم يدا فيها، فأمر بنفيه من جديد إلى طنطا يوم 5 أبريل 1822، وإخراجه من القاهرة فى ذات اليوم»، ويذكر «الشناوى» أن «الجبرتي» لم يدون هذه المحنة الجديدة لعمر مكرم، لكن كتب عنها الدبلوماسى والمؤرخ الفرنسى «مانجا» من واقع معاصرته لها، قائلا: «أراد الوالى إقصاء هذا الشيخ الطاعن فى السن، اعتقد أنه هو الذى حرك الانتفاضة الشعبية التى اندلعت فى 29 مارس 1822. إن هذا الرجل وهو على حافة القبر اختار له مسكنا فى الضاحية ليعيش فى هدوء بعيدا عن الجماهير وصخب المسائل العامة، ولم يكن يغادر منزله»، يؤكد «الشناوى» أن مدة نفى عمر مكرم لم تطل هذه المرة إذ توفى فى نفس السنة «1822»، وطويت صفحة زعيم أزهرى كان كبير الزعماء، ويذكر «الرافعى»: «كانت حياة ذلك المجاهد الكبير سلسلة من النفى والهجرة، ومكافحة الخطوب والمحن ولم يُعرف فضله، ولا كوفئ على جهاده بالشكر وحسن التقدير».




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب