محمد جمعة

الكذب أشد من السرقة

الخميس، 24 أبريل 2025 03:10 م


قد تفهم من عنوان مقإلى أننى أقصد الحديث الذى طالما ردده الكثيرون منا، والذى يقول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، هَلْ يَزْنِى الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ:" قَدْ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ " . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ يَسْرِقُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ:" قَدْ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ " . قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، هَلْ يَكْذِبُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: " لَا " . ثُمَّ أَتْبَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [النحل: 105].. ولكن الحقيقة أننى لا أقصد هذا الحديث الذى أكد علماء كُثر أنه موضوع مكذوب على النبى صلى الله عليه وسلم، ولكنى سأروى موقفا فى مقإلى يحمل نفس المعنى، فالكذب فى الموقف الذى حركنى لكتابة تلك الكلمات كان أصعب من وقع السرقة.

اليوم فى الرابعة فجرا تلقيت اتصالات متتابعة من إحدى طالباتى أيقظتنى من النوم مفزوعا، متسائلا عن السبب الذى قد يدفعها للاتصال بى تليفونيا فجرا، رغم أن تواصلى معها وزملائها يكون دائما عبر جروب واتساب، رددت فإذا بصوتها مستغيثا وستنجدا بى، لو أننى أعرف أحدا من المسئولين فى مستشفى ما فى مدينة السادات، فتساءلت عن السبب وعن سبب فزعها، فقالت إن أحد الأشخاص اتصل بهم فى المنزل من تليفون والدها – الذى سافر من المنوفية لمدينة السادات قاصدا مصنعا يشترى منه بضائع لتجارته- ويقول إنه صادف والدها فى الطريق وأشار له ليركب معه، ولكن أثناء قيادة والدها للسيارة تعرض لنوبة قلبية وضيق بالتنفس وأنه اضطر للقيادة بدلا منه حتى وصلا لمستشفى.

الشخص الذى ظهر كبطل يحأول انقإذ رب الأسرة أخبر أسرته أنه ليس لديه المال الكافى للمستشفى، وأن والدهم أيضا ليس لديه مال، ولو أنهم استطاعوا إرسال أموال حتى يستطيع إدخال والدهم المستشفى سيكون الأمر أفضل لحياة والدهم، مؤكدا أن المستشفى رفض استقبال المريض قبل ترك مبلغ تحت الحساب.

لك أن تتخيل الوضع بالنسبة لأعصاب هذه الأسرة والتوتر القاتل الذى تعرضت له تلك ألفتاة وإخوتها، والذى كان مبررا لأن تتصل بى فى هذا الوقت المتأخر حأولنا الوصول للمستشفى، خاصة أن الشخص الذى تواصل معهم عندما قال له أحد أفراد الأسرة "ادينى حد من المستشفى أكلمه وأتعهد له بأن أصل ومعى المبلغ المطلوب" قال إنهم يرفضون التحدث لأحد فى الهاتف وأنه لا يدرى مإذا يفعل لإنقإذ والدهم، ولكن لم نستطع التواصل مع المسئولين خاصة أن الوقت لا يسعفنا فالرابعة والنصف صباحا لن نجد مسئولا بالمستشفى، فهذا وقت الطوارئ.

أرسلت لطالبتى رقما تحأول معه حتى أصلى ألفجر وأحأول مرة أخرى، وما أن فرغت من الصلاة حتى وجدت رسالة منها تقول فيها:"أنا آسفة على ازعاج حضرتك.. تليفون بابا طلع مسروق.. بابا بخير الحمد لله".

عأودت الاتصال بها لأستوضح أكثر فاخبرتنى أن والدها تواصل معهم من المصنع، وقال إن شخصا أشار له أثناء سفره ليستقله فى طريقه وبعد نزول ذلك الشخص اكتشف الأب أن هاتفه قد سرق، ولم يكن على دراية بالقصة التى اختلقها ذلك اللص والتى دمر بها أمان أسرته وبث فى نفوسهم الرعب لمدة 60 دقيقة على الأقل، اسودت فيها حياة بناته اللائى وقعن تحت تهديد اليتم وفقدان والدهم.

كذبة بسبب طمع وغياب ضمير لص -قابل كرم أخلاق الرجل الذى استقله من الطريق، بخسة ونقص، فلم يكتفى بسرقة هاتفه ليحأول ابتزاز أسرته طمعا فى زيادة غلة سرقته- كادت أن تتسبب فى مصيبة أكبر، فمإذا لو أن زوجته أو أحد أبنائه كان مريضا ولم يتحمل الصدمة من هول الخبر، لمإذا لم يكتف هذا الحرامى بالسرقة التى كانت فى تلك الحالة بالنسبة لأسرة الرجل أهون بكثير مما عانوه طوال ساعة بسبب كذبة.

ليس هنالك مبرر للسرقة وكذلك الكذب، ولا أدرى لما وصل حال البعض لهذا الحد من التفنن فى الكسب الحرام على حساب أمان واستقرار آخرين.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة