منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، فى 26 ديسمبر 1991 عندما اعترف مجلس السوفيت الأعلى للاتحاد باستقلال الجمهوريات السوفيتية، وتأسيس ما تسمى «رابطة الدول المستقلة»، بديلا، وصار يسيطر على القرار العالمى قطب واحد، هو الولايات المتحدة الأمريكية، وما ترتب عليه من كوارث على منطقة الشرق الأوسط، فرأينا قرار الحرب على العراق وتفكيك أوصاله، تحت زعم تدشين جنة الحرية الموعودة، وما وعدهم سوى جحيم راح ضحيته الآلاف، وما زال العراق حتى الآن يعانى من آثار تلك الحرب.
أيضا مخططها الشيطانى لتمزيق الخريطة الجغرافية للشرق الأوسط، فكانت الداعم الأكبر لما تسمى - زورا وبهتانا - ثورات الربيع العربى، والتى سرعان ما تحولت إلى خريف عربى، تساقطت فيها الدول العربية كالأوراق اليابسة من شجرة الأمة، تذروها الرياح، ومازالت آثارها كارثية على عدد من الدول، منها: «سوريا، وليبيا، واليمن، والسودان»، وكان إسقاط مصر فى قلب الخطة، لولا يقظة الشعب المصرى وتماسكه ووحدة مشيمته، بجانب مؤسساته الحامية العريقة.
لذلك، فإن المعركة التجارية التى أشعلها البيت الأبيض ضد العالم، وفى القلب منه الصين، فرصة ذهبية للتخلص من الهيمنة الأمريكية على العالم، ووضع حد لمحاولات ابتزاز الدول واعتبارها بقرة حلوبا، لا بد أن تتدفق ألبانها للبلاد التى تأسست على أشلاء الملايين من الهنود الحمر، لذا، على الدول الـ60 التى يداعبها ترامب ويطالبها بالتفاوض فى التعريفة الجمركية، أن تدعم الموقف الصلد للصين، وكيف تعمل على خلخلة الهيمنة الأمريكية، ووضع حد لغطرستها!
نعم فرصة ذهبية، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية مرت بالظروف ذاتها منذ 95 سنة تقريبا، عندما أقر الرئيس الأمريكى الأسبق، هربرت هوفر، قانون التعريفة الجمركية وذلك سنة 1930 والمعروف باسم «تعريفة سموت - هاولى»، نسبة أيضا لرعاية السيناتور ريد سموت، والنائ، ويليس هاولى، وتضمن القانون رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على أكثر من 20 ألف سلعة مستوردة، والرسوم تراوحت ما بين 40% و60% وكانت بمثابة الحرب التجارية ضد كل دول العالم.
إقرار القانون حينذاك، جاء رغم تحذير واعتراض أكثر من 1000 خبير اقتصادى، ورجل أعمال، إلا أن الرئيس هربرت هوفر - الذى كان جمهورياً بالمناسبة - أصر، وأقر القانون، ما أدى إلى انتفاضة الدول ضد أمريكا، وفرضت رسوما مضادة، فزادت البطالة، وتراجعت الصادرات، وكانت النتيجة سقوط هوفر فى الانتخابات، بهزيمة منكرة، وأطلق عليه «قانون سيئ السمعة».
فى 2018 وعند ولاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأولى، وبداية إعلانه الحرب التجارية ضد الصين، دشن الرئيس الصينى، شى جين بينج، الحالى، قاعدة قوية تتمثل فى «الرد على الصفعة بصفعة أقوى»، وهو المفهوم الجوهرى من جملة المفاهيم التى غيرها الرئيس الصينى الحالى فى بلاده، والذى يحمل عنوان «القوة الوطنية الشاملة» ويتبناه الحزب الشيوعى الصينى لخلق مؤشرات كمية لقوة الصين العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية مجتمعة ونفوذ سياستها الخارجية.
المفهوم كان حاسما بما يكفى للقول بأن قوة الصين نمت نموا سريعا إلى درجة وصلت معها البلاد إلى «الصفوف الأولى لقيادة العالم»، واضعا فى الاعتبار التحولات السريعة فى «موازين القوى الدولية».
لكن العجيب أن الرئيس دونالد ترامب، ورجال حزبه الجمهوريين لم يقرأوا التاريخ، ويتذكرون ماذا فعل «قانون سموت - هاولى» سنة 1930 وتأثيراته البالغة على الاقتصاد الأمريكى، وهو ما أدى إلى تفشى البطالة وارتفاع فى مؤشرات التضخم، وكساد كبير، والنتيجة غضب شعبى كبير أدى إلى إسقاط الرئيس الأمريكى حينذاك، هربرت هوفر، أمام فرانكلين روزفلت، كما تم إقصاء سموت وهاولى، وحل قانون روزفلت لاتفاقيات التجارة المتبادلة لعام 1934 محل قانون :سموت - هاولى»، ما سمح للرئيس بالتفاوض على تخفيض التعريفات الجمركية مع الدول المشاركة فى الحرب بما فيها كندا.
واضح أن مستشارى الرئيس دونالد ترامب، لا يقرأون التاريخ، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن كتالوج التاريخ قادر وبارع فى تفكيك وتركيب الوقائع والأحداث، واستنباط العظة والحكمة، والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة، مثلما يقول، المؤرخون، إذا لم تعرف ماضيك، ستجهل مستقبلك.
فرصة ذهبية مواتية للدول الستين المفروضة عليها تعريفة جمركية، أن تنتفض وتدعم الصين فى موقفها القوى للقضاء على الهيمنة الأمريكية، وفض سياسة القطب الواحد.