خالد عزب

ترامب الاقتصاد أولا.. حرب التعريفة الجمركية.. هل تخسر أمريكا العالم؟

الأربعاء، 02 أبريل 2025 12:00 ص


لم يعلن الرئيس دونالد ترامب رسميا انسحاب الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية بعد. ولكن بفرضه رسوما جمركية على الصين، وفرضه رسوما جمركية على كندا والمكسيك، فإنه بذلك يبتعد عن قواعد وأعراف منظمة التجارة العالمية، في الوقت الذي تحرص فيه غالبية دول العالم علي الحفاظ على النظام التجاري الدولي الحالي، حتي لو انسحبت الولايات المتحدة منه، لكن ستؤدي سياسة الولايات المتحدة لإجراءات مضادة تحمي بها الدول الأخرى مصالحها عبر تعريفات جمركية مضادة.

ولم يترك الرئيس ترامب أي مجال للشك خلال حملته الانتخابية في نوفمبر الماضي، عندما رأى أن التعريفات الجمركية أداة مرغوبة في السياسة الاقتصادية والخارجية، لذا جاء قرار الرئيس ترامب في الأول من فبراير بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و25% على المكسيك وكندا والصين... كان من غير المرجح إلى حد كبير أن يتوافق مع التزامات الولايات المتحدة بموجب اتفاقية منظمة التجارة العالمية.

ورغم ذلك، كان قراره في الأول من فبراير بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و25% على المكسيك وكندا والصين بمثابة صدمة. وتمثل هذه البلدان أكثر من 40% من إجمالي التجارة الأميركية ..

كانت هذه الخطوة مرتبطة بمطالب غامضة ولم تسبقها أي محاولة جادة للتفاوض. كما لم تميز بين الحلفاء المقربين والمنافسين الاستراتيجيين، أو بين البلدان التي وقعت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة وتلك التي لم توقعها. واستخدم القرار مبرراً قانونياً محلياً غير مؤكد، وكان من غير المرجح إلى حد كبير أن يتوافق مع التزامات الولايات المتحدة الدولية وفقا لاتفاقية  منظمة التجارة العالمية .

يرى الرئيس ترامب أن التعريفات الجمركية أداة متعددة الأغراض. وقد هدد بنشرها لإجبار الحلفاء على زيادة إنفاقهم الدفاعي، وإجبار البلدان على الاحتفاظ بالدولار الأمريكي كأصل احتياطي، وإلغاء الضرائب الأجنبية على شركات التكنولوجيا الكبرى الأمريكية أو حتى إجبارها على التنازل عن أراضٍ للولايات المتحدة - سواء قناة بنما أو جرينلاند. وقد اختار الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات جمركية أمريكية مستقبلية بسبب حجم العجز التجاري الثنائي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومؤخرا، أعلن عن فرض تعريفات جمركية بنسبة 25٪ على جميع واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة.

إن حجم الإيرادات الإضافية من الرسوم الجمركية للولايات المتحدة  قد يصل إلى عدة مئات من المليارات من الدولارات سنويا. ولكن العبء سوف يقع في الأغلب على المواطن الأمر والشركات الأميركية ــ وليس الأجانب. ومن غير المرجح أن تغير الرسوم الجمركية بشكل كبير الموقف المالي الأميركي وقد تنخفض الإيرادات أيضًا بمرور الوقت مع عثور شركاء الولايات المتحدة التجاريين على أسواق تصدير بديلة.  

قد تؤدي الرسوم الجمركية إلى تحفيز بعض الاستثمارات الإضافية في الولايات المتحدة. ولكن هذه الاستثمارات قد تعوضها تصورات متزايدة لل باعتبارها حلقة وصل غير موثوقة في سلاسل التوريد الدولية. كما قد تثبط الاستثمارات أسعار الفائدة المحلية المرتفعة، حيث يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي الحد من التأثير التضخمي للرسوم الجمركية.

إن سياسة ترامب في معالجة العجز الثنائي بين الولايات المتحدة وكل دولة علي حده من شأنها  أن تؤدي إلى زيادة التشوهات وانعدام الكفاءة في الاقتصاد الأميركي، وهذا ما لم يأخذه ترامب في الحسبان، كما قد تضعف سياسته في ضغط الانفاق كالغاء وكالة المعونة الأمريكية في إضعاف الولايات المتحدة ونفوذها علي الصعيد الدولي لصالح الصين التي تبذل كل قوتها علي الصعيد الدولي عبر المنح والقروض الميسرة والمشاريع التنموية غير المشروطة بشروط سياسية .  

حتى الآن، سارعت الدول المستهدفة بالرسوم الجمركية الأميركية إلى الإعلان عن نيتها الرد ــ مع الإشارة في الوقت نفسه إلى استعدادها للتفاوض. وفي حالة كندا والمكسيك، ساعدت الالتزامات العامة بتعزيز أمن الحدود إلي  التوصل إلى تعليق للتدابير لمدة ثلاثين يوما.
وبالمثل، أشار الاتحاد الأوروبي إلى أنه سيرد على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، بما في ذلك باستخدام "أداة الإكراه الاقتصادي" الجديدة لاستهداف صناعة التكنولوجيا الأميركية، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى استعداده للتفاوض.

إن أكثر مخاوف الدول من ترامب تعود إلى أن الاستجابة والركون إلي سياسته قد تؤدي به إلى المطالبة بالمزيد وهو ما يفتح شهيته نحو إلحاق الضرر بهذه الدول . لكن ما لا يدركه ترامب أن أوجد تحديا لأوروبا لتحفيز شركاتها في مجال تكنولوجيا المعلومات لتكون بديلا للشركات الأمريكية وهذا ما يغلق مساحات كانت تعزز قدرة هذه الشركات علي المنافسة مع الشركات الصينية الصاعدة.

إننا للأسف لم نر في المنطقة العربية نقاشا حول سلبيات سياسات ترامب في فرض التعريفة الجمركية على صادرات العرب للولايات المتحدة ومنها الصادرات المصرية، بل في سياساته في طلب الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة، ومدى مردود هذه الاستثمارات على العرب، إن كل ما سبق مع موقف الولايات المتحدة في حرب غزة زاد من تعقيدات مشهد مقاطعة السلع والشركات الأمريكية في المنطقة العربية، بل وأضر بشدة بصورة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فبعد أن جرى تسويقها لسنوات كنموذج يجري الاقتداء به صارت نموذجا معاديا للعرب، وبالرغم من محاولة الولايات المتحدة تحسين صورتها في المنطقة العربية، وتوجت ذلك بخطاب أوباما في جامعة القاهرة، إلا أن كل هذا ذهب مع الريح، فالولايات المتحدة لم تخسر فقط الأكبر سنا بل خسرت حتي الأطفال في المدارس، حتي باتت السلع الأمريكية في ذهن الطفل العربي أداة لقتل الفلسطينيين، لذا فإن الولايات المتحدة أمامها إما الاستمرار في هذه السياسات، وبالتالي خسارة المنطقة إلي الأبد، أو تغيير هذه السياسات بما يمنحها نفوذا في المستقبل، ويكفي أن الصين البديل الأكثر تفاعلا حريصة علي أن تملأ الفراغ اقتصاديا ولاحقا سياسيا .

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب