على ضفاف النيل، حيث ينسكب المجد كما تنساب المياه، تمتد سوهاج، قلب الجنوب النابض، ووشم التاريخ على جسد الوطن، هنا حيث الأرض تنبت الطيبين، وتثمر الجدعنة في عروق الناس كما تثمر السنابل في الحقول الخضراء.
سوهاج، تلك المحافظة التي كلما نطقت اسمها شعرت بصلابة الجبال وحنان النيل في آنٍ واحد، في العاشر من أبريل، لا تُضاء الشوارع فحسب، بل تُضاء الذاكرة، عيد قومي؟ بل هو يوم من نور، سُطّر فيه الكبرياء بحروف من دم، يوم وقف فيه أبناء سوهاج في وجه الحملة الفرنسية، لا بمدافع ولا بجيش، بل بعزيمة تُكسر عليها الأمواج.
على أرضها، لا تُروى الحكايات فقط، بل تُزرع، تنمو، وتثمر علماء وفلاسفة وأدباء، من قراها ومدنها خرج من قال، ومن فعل، ومن غيّر وجه الحياة، هنا العائلات لا تُقاس بعدد أفرادها بل بقدر ما قدمت من فكر وعلم ونور.
وما بين النيل والجبل، تكتمل اللوحة، زراعة تُغني النظر، وعرق الفلاحين يحرس الحقول كأنه تعويذة الخير، أما الآثار، فهي دروب من التاريخ تمشي شامخة كأنها تقول: هنا مر الزمن، ولم يمُت المجد.
في سوهاج، العمل عبادة، واليد التي تبني تُصافح السماء، لا يزال أبناءها يحملون في وجوههم ملامح الحضارات، وفي قلوبهم حب الوطن بالحجم الذي لا يكتبه قلم.
واليوم، في ظل الجمهورية الجديدة، تتبدل الواجهات وتعلو الأبراج، لكن الجوهر لا يتغير، يتغير الحجر ويتحول للأفضل، نعم، لكن البشر؟ ما زالوا على عهد الطيبة والرجولة والكرم، شبابها يحلم، وماضيها يُلهم، ومستقبلها؟ يُكتب الآن بحروف من أمل.
سوهاج.. ليست محافظة، بل قصيدة من ذهب، تُتلى كلما مرّ العاشق على ضفاف النيل، وكلما تذكر المصريون أن البطولة تبدأ من الجنوب.