حزنت طبعا لما فعله أحمد زكي بعد تلقيه خطابي الذي يحمل رؤيتي الفنية.. يبدو أنه أدرك أنه لا يملك الوقت ولا الجهد لتحقيق هذا الطموح وربما لم يعجبه أصلا فكرة التعامل مع "حليم" كإنسان وليس نموذجا يستدر به عطف معجبيه وبكاء محبيه.. لم يكن "العمق" ما يريده أحمد ولا المنتجين ولا كاتب السيناريو.. كانوا يريدون فيلما يصلح كتحية أو تأبين لشخصية محبوبة لا وقت ولا جهد للجدل حوله. علمت أن (زكاوه) أرسل وريقاتي إلى الأستاذ محفوظ الذي غضب جداً (ولا أعلم بأي صيغة وصلت إليه أوراقي ولا بأي تحريض؟) المهم.. أن الأستاذ حسين أخبرني بمختصر الحكاية والتي كان جوهرها: إما أن تصنع الفيلم كما هو وكما تعاقدت عليه أو تنسحب …طبعاً قررت حزينا الانسحاب الفوري.
لم أكن أتحمل أن أتظاهر بقبول العمل كما هو وأفعل به ما شئت عندما ابدأ تصويره.. (كما فعل ويفعل غيري).. كان هذا ضد احترامي لنفسي ولما اشتغلت بالفن أصلا لأجله.. أن أكون صادقا في كل لحظة.. خاطبت حسين القلا بأني أتمنى كل الخير لزكي وللفيلم وأني مع انسحابي مستعد لرد العربون وللحقيقة فقد رد الأستاذ حسين– بعد مشاورات مع المنتجين – بأنهم يعتبرون العربون تقديرا بسيطا عما بذلته من جهد اثناء التحضير وتنازلوا عنه بخطاب رقيق.
ولا أعلم من الذي أعلن للصحافة انسحابي من الفيلم ولكني حوصرت بطلب إبداء الرأي في سبب الانسحاب وأذكر أني – للحقيقة – لم أذكر الأسباب بالتفاصيل والتي كان من بينها بالإضافة إلى الخلاف حول السيناريو القلق الشديد على صحة أحمد زكي والإشفاق عليه من جهد جبار لا تتحمله حالته الجسدية ولا النفسية إضافة إلى نفوري من فكرةاشاعوها عن (العمل)و التي روج لها الإنتاج.. وهم يعلمون.
أن ذلك فقط هو رأي طبي قدر – والتقدير لله – أن العمل قد يساعده على تجاوز لحظات الألم الأخيرة.. وهو أمر لم استطع تقبل أن أشارك فيه لا كإنسان ولا كمخرج محترف.
قلت للصحافة أن هذا فيلم أحمد زكي ورؤيته وأن فيلما عن حليم سيظل مشروعا لي في الوقت والظروف المناسبة.. ولا أعلم لماذا أغضب أحمد هذا التصريح ففوجئت بآخر مكالمة بيننا يلومني فيها أحمد على هذا التصريح الذي اعتبره نوع من "التشويش" على فيلمه وطبعاً قلت له أن هذا لم يخطر على بالي مطلقا وإني مستعد للاعتذار عما قلت إذا فهم هذا ولكني قلت أني (تشبعت) بحليم عبر سنه كاملة ولم يكن ممكنا أن أنسى كل شيء ببساطة.. وتمنيت له كل التوفيق.
علمت بعد ذلك بأيام قليلة أن الإنتاج تعاقد مع المخرج شريف عرفه للعمل بالفيلم.. وأنه بدأ فوراً في الإعداد..
انتظرت من الأستاذ شريف مكالمة اعتبرتهامن آداب المهنة وان يناقش معي أسباب إنسحابي كما يفعل كل المهنيين في مثل هذه الأحوال وهو الأمر الذي لم يحدث أبداً..!
بدأ تصوير الفيلم – بدعاية فجه وإن منع تصوير الكواليس بأمر أحمد زكي شخصيا – في 17/1/2005 وما لبثت حالة بطلنا أن تدهورت وفقدنا أحمد زكي في 27/3/2005 والمذهل في الأمر أن الإنتاج كان حريصا أن يعلن أن زكي قبل وفاته المتوقعة أنجز أكثر من 90% من تصوير مشاهدة وهو بالطبع ما اتضح عدم مصداقيته عندما عرض الفيلم في 12/7/2006 بعد استبدال أحمد بابنه (هيثم). هذا الاستبدال الذي رأيته – وما أزال – شديد القسوة مهما كانت المبررات. . مادية كانت أو معنوية.. ناهيك عن صلاحية "الإبن" أصلا للعب هذا الدور وفي مثل تلك الظروف.
لم ادع طبعا لحفل بدء التصوير الذي حضره زكي ولا لعرض الفيلم الذي حضرة هيثم مع كل الدعاية اللازمة.. ولم أسع لرؤية الفيلم أساساً لفترة طويلة.
كنت على متن طائرة استعرض قائمة الأفلام التي يمكنني بها قضاء وقت الرحلة الطويل فرأيت فيلم حليم.. دفعني الفضول لرؤيته وراقبت (تترات) الفيلم الذي كتب عليها (رؤية سينمائية أو قصة سينمائية) شريف عرفه.. وأذكر أيضاً اسم احمدي زكي نفسه مقترنا بالقصة.. ولما وصلت إلى مشهد بالفيلم يظهر فيه شخصية تلعب دور محمد الموجي الذي كان رفيق رحلة حليم إلى المجد حيث كتب أسفل الشاشة الملحن / محمد الموجي.. حتى نفذ صبري وثقل همي. ففضلت النوم وتذكرت.. كرامات النجم الذي لم تنجب مصر مثله والذي كان هذا الفيلم خاتمة أعماله الفنية.