بينما كان الاهتمام الإقليمى والدولى مُنصَبًّا على مصير غزة المنكوبة، وما يحدث فى سوريا من أحداث دامية، تقترب من حافة الاحتراق باشتعال نار الاحتراب الداخلى بين الفصائل المتعددة، مذهبيا وولائيا، يقف السودان بعيدًا عن الأنظار والاهتمام، رغم الأحداث الخطيرة والمأسى الإنسانية، والمخططات التى تُطبخ على نار هادئة لإدخال هذا الوطن الطيب فى نفق تقسيم المقسم!
فى منتصف إبريل المقبل يمر على الحرب السودانية الداخلية المستعرة، عامين بالتمام والكمال، وما زال الرصاص هو المتحدث الرسمى، وصوته يعلو فوق كل الأصوات، والشعب السودانى المكلوم يدفع ثمنا باهظا من أمنه واستقراره، وما ينتظره من مستقبل مجهول، لا يؤشر على تنمية وازدهار، وإنما يشى بمخططات تشيب شعر الأجنة فى البطون، من محاولات تقسيم جديدة.
فمنذ أن وقّعت «قوات الدعم السريع» وجماعات متحالفة معها دستورا انتقاليا، مؤخرا، يمهد لإنشاء حكومة موازية وفى القلب منها تأسيس جيش مواز، والوضع صار مرتبكا، رغم الإجماع على رفض مثل هذا الدستور، والذى يضع البلاد فوق مذبح التقسيم، إلى عدة دويلات وليست ولايات شبيهة بالفيدرالية!
الدستور المزعوم، وحسب كل التسريبات من مصادر موقعة عليه، وقريبة من قائد قوات الدعم السريع، يتضمن تقسيما إداريا جديدا للسودان قائما على 8 أقاليم، هى الشمالية، الخرطوم، الشرق، دارفور، الأوسط، كردفان، جبال النوبة وجنوب كردفان، الفونج الجديد، كما ينص على عاصمة اتحادية يحددها القانون، ويحدد أيضا حدود وعواصم الأقاليم، ويكون لكل إقليم وولاية دستور يراعى خصوصيتهما دون المساس بطبيعة الدولة المنصوص عليها فى الدستور.
هذا المخطط كنت قد أشرت إليه منذ ما يقرب من سنة وثلاثة شهور فى مقال كتبته فى هذه المساحة، منشور بتاريخ 26 ديسمبر 2023 تحت عنوان «خطة تغيير اسم السودان إلى الولايات المتحدة السودانية تحت وصاية دولية.. والعرب نيام!» حذرت فيه من مخطط التقسيم الإدارى وقلت نصا: «هناك اقتراح قوى بين بعض النخب السودانية، يهدف إلى الاستعانة بلجنة دولية تضع دستورا يخضع بعد ذلك لاستفتاء شعبى، ويتضمن الاستفتاء أيضا على سؤال يجب الإجابة عليه: هل يُفضل أن يكون السودان تحت الحكم المركزى أم الحكم الفيدرالى؟ مرجحين الحكم الفيدرالى ويعتبره هو الأفضل للسودان، على أن يكون تحت مسمى «الولايات المتحدة السودانية» وعلى غرار تجارب الآخرين الناجحة، والمطبقة بدرجات متفاوتة فى العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وسويسرا وغيرها من الدول الشبيهة.
وبعد مرور ما يقرب من عام ونصف العام، اجتمع الفرقاء فى نيروبى بكينيا، ووقعوا على «وثيقة التأسيس» وبدأت خطوات تنفيذ مخطط تقسيم السودان إلى أقاليم، على غرار الأنظمة الفيدرالية، وما كان منذ عامين إرهاصات كشفنا عنها فى مقالنا المشار إليه، صار واقعا عمليا الآن، فقد أعلنت «قوات الدعم السريع» اكتمال الاستعدادات لتشكيل «حكومة سلام ووحدة» فى مناطق سيطرتها، وأوضحت أنها ستحمى هذه الحكومة من غارات الطيران الحربى التابع للجيش.
الاقتراح الكارثى، أو المخطط الخطير «سَمِّهِ ما شئت»، يأتى فى توقيت احتدم فيه القتال، وأن الجيش السودانى يحقق انتصارات ويحرر مناطق استراتيجية ويطرد قوات الدعم السريع منها، الأمر الذى أزعج قوات الدعم السريع ومن يدعمها، فأشار عليها بهذا المقترح، المتضمن حكومة موازية، وجيشا موازيا يحق له شراء السلاح، والطائرات، وتقسيم السودان إلى 8 أقاليم.
فى المقال تثير هذه الخطوات، مخاوف بين عدد كبير من السودانيين، من أن تؤدى لتفاقم القتال وتجزئة السودان، وذلك على الرغم من تأكيدات تحالف «تأسيس» حرصه على وحدة البلاد، كما أدت هذه الخطوة إلى تقسيم أكبر تحالف لقوى مدنية فى البلاد المعروف باسم «تقدم»، إلى مجموعتين: إحداهما بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، التى غيّرت اسمها الآن إلى تحالف «صمود»، وهى تعارض قيام حكومة موازية، بينما المجموعة الأخرى تؤيد قيام مثل هذه الحكومة وتنسق مع الأطراف الأخرى فى تحالف «تأسيس»!
السودان يحتاج إلى اهتمام، ومتابعة، وعدم إهمال، فهو يمثل لمصر أيضا عمقا استراتيجيا، وشراكة حقيقية فى صلب الحياة.
دندراوى الهوارى
ما بين نكبة غزة واحتراق سوريا.. السودان على مذبح التقسيم باسم الفيدرالية!
الأحد، 09 مارس 2025 12:00 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة