(البطل) يحكي عن بطل مصارعة اوليمبي كان له شرف الفوز بأول ميدالية ذهبية مصرية في التاريخ.. وكان لابد من إجراء عدة تغييرات في النص الأصلي بالتعاون مع الصديق مدحت العدل الذي كتب أيضاً أغاني الفيلم ولما كان الفيلم يدور في بدايات القرن الماضي رأيت ضرورة ربطة بأحداث شهدتها مصر في تلك الحقبة التي حفلت بنمو روح وطنية طموحة إلى الإستقلال التام وإلى تأكيد وجود (شخصية) المصري الحر وليس التابع للدولة العثمانية أو حتى لأسرة محمد علي.. فاخترت فترة ثورة 1919 وما بعدهاواعجاب بطل الفيلم (حوده) بشخصية سعد زغلول لدرجة أنه يريد بحصوله على البطولة العالمية – أن يتمثل شخصيته ودوره الوطني.
هذه المرة كانت شلة حوده (الذي يعمل نجاراً) مكونة من مصطفى قمر ذو الأصول الأجنبية ومحمد هنيدي، وكان ذلك هو الظهور الأول لقمر كممثل وأول دور (جدّي) لمحمد هنيدي. وعلى عكس (الشلة) السابقة في كابوريا لم يكن أحمد متحمسا لشلته الجديدة لعدة أسباب أولها أن أحدهما مطرب (وهو ما يسحب منه قطعا بعض الجماهير) والثاني كوميديان خفيف الظل صغير السن.. والسبب الثاني أن فارق حوالي عشر سنين بين الفيلمين ترهل فيها للأسف جسم أحمد الذي كان يستهلك نفسه جسدياً ونفسياً عبر نمط حياة صاحب تكثفت فيها ظروف الوحدة القاسية وعدم الاستقرار العاطفي وفوضى الحياة بين الفنادق والسهرات الممتدة حتى الصباح.. ورغم محاولتي عبر تعديلات السيناريو أن أؤكد على أن (حوده) هو زعيم الشلة وكبيرها وليس مجرد فرد فيها إلا أنه ظل غير مقتنع بإمكانية هذه الصداقة.
كان(زكاوه )يؤجل موعد التصوير بوعد لي -ولنفسه – أنه سوف يكف عن السهر والشراب وأنه سيصحو مبكراً للذهاب إلى (الجيم) لاستعادة بنيته الجسدية كما يليق بملاكم أولمبي.. ومع كل تأجيل كنت التقي أحمد وقد ابتعد تماما عن وعودة لدرجة هددت بعدم تصوير الفيلم نهائياً فكان أن ضغطت عليه مع سامي العدل بالدخول واستكمال الاستعدادات أثناء التصوير مع تأجيل مشاهد الملاكمة إلى المراحل الأخيرة للتصوير.
ورغم اننا استعنا بإتحاد الملاكمة الذي أرسل لنا مدربين تولوا تدريب أحمد على (تكنيك) الملاكمة وكانوا يحضرون التصوير قبل كل (حركة) كما امدونا بملاكمين محترفين لعبوا دور (الدوبلير) في مشاهد القتال.. و حتى مشاهد الجري فقد ظلت المشكلة قائمة بل وتفاقمت عندما أحس المنتج باستنزاف أحمد للوقت والجهد فأمر باختصار الوقت المحدد لتصوير مشاهد الملاكمة التي كان أحمد يشكو منها على أي حال لأن الأمر لم يخلو طبعا من لمسة ملاكم منافس مهما كان حريصا على عدم ايذاء النجم المرهق.
ورغم كل شيء فقد كانت أجواء (الإسكندرية) التي ساهم في تجسيدها المبدع صلاح مرعى والمصور العبقري طارق التلمساني والمشاهد الإنسانية التي حفل بها الفيلم تعويضاً كنت أراه كافياً لعدم نجاح مشاهد الملاكمة.
أما المشهد الذي لا أنساه والذي كان تجسيدا لقلق احمد من (شلته) في الفيلم فهو أنى دفعت دفعاً لإلغاء التصوير للمرة الأولى والأخيرة في حياتي المهنية.
كان المشهد عبارة عن لقطة واحدة طويلة (شاريو) في لحظة ضوئية خاصة نسميها Magic hour ساعة الغروب.. ونظرا لحداثة عهد الصديقين كانا يخطآن إما في مسار اللقطة أو في الحوار.. وبدا على أحمد الإنزعاج وإن حاول إخفاؤه.. وفي الإعادة الثالثة أو الرابعة (وهذا طبيعي جداً) نجحت اللقطة.. وكالعادة سألت طارق التلمساني عن تقييمه للقطة( فلم يكن هناك مونيتور في هذا الزمن ) فقال انها جيدة وإن كان احد الممثلين قد أخفي زميله في لحظة معينة فسألت طارق: عندنا وقت نعيد اللقطة؟ أجاب: أيوه بس بسرعة.. فأمرت بإعادة اللقطة وهنا فوجئت بسلوك لم أعتده من أحمد.. رفض إعادة اللقطة.. حاولت إقناعه بأن (التجويد) مطلوب طالما لدينا وقت.. ولكنه أصر وبطريقة فظه عندما قال أمام الجميع: على الطلاق ما انا عايداللقطة!! ورغم أن أحمد صديقي والجميع يعرف فقد كان (تفويت) هذه اللحظة كفيل باهتزاز شخصية المخرج أمام كل عناصر العمل لذلك قلت دون تفكير: وأنا على الطلاق فركش ياأحمد …وانهيت التصوير هذا اليوم.
في اليوم التالي بدأت تصوير المشهد مرةاخرى بعد ان عاداحمد لطبيعته وقد حكى لي سامي العدل الذي كان يقيم مع أحمد وماجدة الخطيب في فندق شيراتون بينما (إخترت) أنا فندق سان جيوفاني( وهو ما اسعد سامي العدل طبعا لانه اوفر من شيراتون) أن ماجدة عنفت زكي بشدة قائلة: من إمتى ياأستاذ بنقول للمخرج مش هنصوراو مش ها نعيد؟ وأن زكي لم يجادلها.. وأعترف ضمنياً بخطأة.. كان هذا (سوء التفاهم) الوحيد الذي حدث في الفيلم غير ما حدث في مشاهد الملاكمة.
ما زلت أعتز بهذا الفيلم وبخمسة وجوه جديدة نسائية قدمتهم للمرة الأولى على الشاشة هن (غادة عبدالرازق – عبير صبري – مروة حسين – لورا عن الأحد(التي تزوجت شريف منيرواعتزلت التمثيل) – وكارولين خليل) كما أذكر بكل الحب ماجدة الخطيب التي قبلت دوراً هامشياً (أم أحمد زكي) في الفيلم لأنها سبق وأن طلبت مني أن تكون أمام أي كاميرا اديرها بعد دورها المذهل في (يادنيا ياغرامي)والذي كان سببا في عودتها إلى السينما بعد ظروف سيئة كادت تقضى على تاريخها كله.