وليد نجا

طقوس استقبال العيد قبل ظهور الفضاء الإلكتروني

الإثنين، 31 مارس 2025 01:16 ص


نحن أجيال محظوظة عاشت فى حقبتين زمنيتين، حقبة ما قبل وما بعد ظهور الفضاء الإلكترونى والإنترنت، فحافظنا على القيم والعادات والتقاليد المتوارثة عبر عدة أجيال وخاصة فى شهر رمضان، حيث كانت طفولتنا مرتبطة بمبنى ماسبيرو العريق عبر برامج القناة الأولى والثانية وعبر أثير الإذاعة المصرى والمسلسل الإذاعى للبرنامج العام والشرق الأوسط وصوت العرب، وكنا مرتبطين بالصحف الورقية فى عددها الأسبوعى.

وجيلنا ارتبط بحلقات بكار وسلاحف النينجا وفوازير نيلى وشريهان وبطوطة لسمير غانم، وكانت الدراما المصرية تؤرخ للحارة المصرية والهوية المصرية والعادات والتقاليد المصرية على غرار ليالى الحلمية وأرابيسك ورأفت الهجان، وكنا ننتظر تفسير الشيخ الشعراوى وقرآن المغرب من إذاعة القرآن الكريم، ورغم عدم توافر الكهرباء لفترات طويلة فترة الثمانينيات والتسعينيات كنا نقضى أغلب ليالى رمضان على أنوار الكلوب، ورغم بساطة الحياة كنا نعيش فى قناعة وسعادة وجميع الجيران أسرة واحدة يتمنون الخير لبعضهم البعض، وهناك حدود فى المعاملات وتقاليد راسخة لا استثناء فيها، الكل سواسية أمام الأعراف والأصول.

ومن العادات الرمضانية التى لا تُنسى فى النصف الثانى من رمضان بجانب الصلاة وقراءة القرآن طقوس عمل الكحك والبتيفور والبسكويت، كان هناك نظام يحترمه الجميع، فكانت الخالات والعمات والجيران يجتمعون فى منزل كل واحدة منهم بالدور وصاحبة المنزل المزعم صناعة الكحك والبسكوت فيه تستضيفهم بعد صلاة العشاء فى غرفة الضيوف، وينام الجميع، وعلى ميعاد السحور يتم إيقاظهم ويتسحرون جميعا ويبدأون فى إعداد العجين وإشعال الفرن البلدى الذى كان يعمل بالحطب، وكانت الأكبر سنا والأكثر خبرة هى من تجلس تخبز فى الفرن وباقى النساء عليهن إعداد العجين، ويستمررن حتى آذان المغرب، ويكون الإفطار حسب الإمكانيات دون تكليف، وكان الكل سعيدا ومحبا للآخر وبعد الانتهاء يتم خبز العيش لأصحاب المنزل وبعدها يذهب الجميع منازلهم مجهدين سعداء بإنجاز مهمتهم.

وفى اليوم التالى يتجمعن مرة أخرى بالدور فى منزل آخر لتكرار نفس العملية، ولم يكن هناك كحك أو بسكوت جاهز، كما هو الآن، وإن تواجد فمن العيب على ربة المنزل عدم صنع الكحك والبسكوت فى منزلها.

كنت محظوظا لأن والدتى - أطال الله عمرها - كانت مدرسة تدبير منزلى وكانت نساء قريتنا تأتى إليها لتأخذ مقادير البسكويت والكحك والبتفور والكيكة وغيرها عكس الآن برامج الطبخ والمخبوزات موجودة عبر الإنترنت والفضائيات ورغم بساطة الحياة وضعف الإمكانيات بالمقارنة باليوم نجد أن السعادة كانت من مميزات حقبتنا الزمنية والحب والود تظهره العيون.

ومن الذكريات التى لا تنسى طقوس الأفراح وشراء الشبكة وكتابة القائمة فقد كان جدى الحاج عبد العزيز نجا ناظر المدرسة الابتدائية الوحيدة فى قريتنا فى تلك الفترة مشهور بقدرته على كتابة القائمة وشراء الذهب وحل المشكلات والخلافات الأسرية، وكل من يتزوج فى قريتنا يأتى إليه لكتابة القائمة وشراء الذهب، وعند حدوث خلاف يكون جدى الحكم ومعه وجهاء القرية والجميع فى سعادة وحب وتواضع ومع اختراع الانترنت وظهور الفضاء الإلكترونى بعدت المسافات بين الأسر وأصبح الواتس بديلا عن الزيارات العائلية وأصبح العيد عبارة عن خروج وسفر وندرت الزيارات العائلية ولم تعد الأسر تجتمع لصناعة الكحك والبسكوت، وأصبح شراء المخبوزات الجاهزة هى القاعدة وأصبح التجمع العائلى استثناء، وتبدلت أحوال الدراما والتلفزيون لعوامل عديدة ونأمل فى العام القادم أن تكون الدراما معبرة كما كانت فى الماضى وصاحبة رسالة ومحافظة على القيم، وفى الختام لكل جيل ذكرياته وأحلامه وطقوسه وما كان غريبا فى الماضى أصبح القاعدة وتبدلت الأعراف والقيم ولازال شهر رمضان هو شهر الخير والرحمة والعتق من النيران، عيد سعيد.

 

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب