بيشوى رمزى

غزة ونتنياهو و"تماهي الأيديولوجيا"

الخميس، 27 مارس 2025 01:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تزامنت الاحتجاجات التي شهدها قطاع غزة مع تلك التي اندلعت أمام الكنيست، في مشهد يحمل العديد من المفارقات، ربما أبرزها وحدة الهدف لدى المحتجين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، والذي يدور في جوهره حول إنهاء الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عام ونصف، وراح ضحيتها آلاف البشر، ليجسد المشهد مقاربات عدة، لا تقتصر على مجرد الرغبة المشتركة لدى الشعوب في الاستقرار، وإنما أيضا تماهيا بين إدارتين متحاربتين، ربما لم يتفقا على شيء في اللحظة الراهنة سوى مواصلة المعركة، وتجاهل بحور الدماء التي سالت، والانتهاكات التي ارتكبت دون تمييز بين طفل وشيخ أو رجل أو امرأة، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول معضلة العلاقة بين الأيديولوجية الحاكمة في تل أبيب ونظيرتها في القطاع، في إطار ما تتسم به من صلابة، دفعتها نحو الفشل في التعاطي مع الواقع ومعطياته، في لحظة تبدو فارقة سواء في تاريخ القضية الفلسطينية، أو مستقبل إسرائيل، أو المنطقة بأسرها.

وبالنظر إلى طبيعة الأحداث منذ السابع من أكتوبر، نجد أن اليوم الذي اعتبره كافة القطاعات في الداخل الإسرائيلي، بدء من المحللين السياسيين ومروراً بالعسكريين وحتى رجل الشارع العادي، أحد أحلك أيام الدولة منذ نشأتها في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، فإن نتنياهو رآه فرصة للتشبث بكرسي السلطة، حتى يتجنب الملاحقات القضائية على خلفية تورطه في قضايا فساد، في حين أن حركة حماس، هي الأخرى، اعتبرته انتصارا من شأنه تعزيز شعبيتها باعتبارها "سيدة المقاومة" في الإقليم، غير آبهة بما سوف يترتب على هذا اليوم والذي دفع ثمنه آلاف الأبرياء ممن فقدوا أرواحهم ناهيك عمن حملتهم أقدارهم لاستكمال حياتهم عاجزين أو مبتورين بينما يبقى المشردين من أهل القطاع هم الأكثر حظا بين سكانه، وهو ما يعكس وجود مصلحة مشتركة، بين أيديولوجيتين حاكمتين في تل أبيب وغزة، وإن توارت خلف الصراع بين الطرفين، حيث كلاهما يرى في البقاء في السلطة أولوية قصوى، ولو كان ذلك على حساب الاستقرار الداخلى أو أرواح المواطنين، أو حتى البعد الوطني، وهو ما يبدو بجلاء في الحالتين الإسرائيلية والفلسطينية، ففي الأولى، يواصل نتنياهو حربه، حتى لو كان الثمن أرواح الرهائن أو حتى نشوب حرب أهلية، بينما لا يختلف الأمر كثيرا في غزة، والتي تبقى خسائرها كبيرة، ليس فقط في الميدان، وإنما على الصعيد الوطني في ضوء المقامرة بمستقبل القضية المركزية، التي طالما التف حولها الإقليم.

التلاقي المصلحي بين أيديولوجيتي نتنياهو وحماس، بين التجاذب والتنافر، ربما نجد جذورا له، في تاريخ القضية الفلسطينية نفسها، فالدولة العبرية، ساهمت في تأسيس حركة حماس، لخلق حالة من النزاع على السلطة، مع منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وذلك لتقويض حل الدولتين، عبر خلق سلطتين حاكمتين أحدهما في الضفة الغربية، والأخرى في غزة، وهو ما تحقق إثر الانقسام الذي أعقب الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2007، وهو ما أسفر عن تجريد الدولة المنشودة، من أحد أركانها، وهو السلطة الحاكمة، بما يقوض شرعية أي مفاوضات من شأنها تحقيق الشرعية الدولية، وهو الأمر الذي يمثل امتدادا لخطوات إسرائيلية أخرى، تقوم في الأساس على تجريدها من الأرض، عبر ابتلاع الضفة الغربية ببناء آلاف المستوطنات، ثم تجريدها من مواطنيها من خلال دعوات متواترة بالتهجير، تجلت في العديد من المواقف، ربما تتجلى أحدث صورها في إنشاء وكالة لتهجير الفلسطينيين، لإضفاء طابع شرعي لعملية ممنهجة تمثل امتدادا لجرائم الإبادة الجماعية، بحسب توصيف القانون الدولي.


الأمر يزداد تعقيدا في اللحظة الراهنة، مع الهيمنة المطلقة للبعد الأيديولوجي في إدارة الصراع الإقليمي، وفي القلب منه في قطاع غزة، في ظل صعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو معروف بتوجهاته اليمينية، لتصبح المواجهة مع حالة مضاعفة من التطرف اليميني، والذي تجلى مؤخرا مع دخول واشنطن على خط الصراع عبر بوابة اليمن واستهداف ميليشيات الحوثي، بالإضافة إلى مباركته لخطوة تل أبيب بالعودة إلى ميدان الحرب في غزة، وهو الأمر الذي يمثل فرصة لنتنياهو وحكومته على اعتبار أن التداخل الأمريكي على خط الصراع من شأنه إضفاء قدر من الشرعية لعدوانه الغاشم على القطاع وتجاوزه نحو لبنان تارة وسوريا تارة أخرى، وهي الميزة التي افتقدها خلال معظم مراحل الفصل الأول من العدوان، قبل دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز النفاذ في 19 يناير الماضي، والذي كانت الولايات المتحدة تحت إدارة جو بايدن، وبمباركة ترامب نفسه، طرفا فيه إلى جانب كلا من مصر وقطر.

التماهي الأيديولوجي بين نتنياهو والفصائل، والذي لا ينفي العداء بينهما، يمكن استخلاصه عبر قراءة متأنية للتعنت الكبير من الجانبين في العديد من المشاهد، برزت أولا في العملية التفاوضية، سواء من الجانب الإسرائيلي، فيما يتعلق بوقف إطلاق النار خلال المرحلة الأولى من العدوان، أو تمرير المساعدات الإنسانية، ناهيك عن عدم الاستجابة لصوت الشارع في الداخل، بينما يبقى الجانب الآخر متعنتا هو الآخر في بعض القضايا، ربما أبرزها يرتبط بالرضوخ لنداء العقل عبر الانضواء تحت لواء السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير باعتبارها المظلة الشرعية للشعب الفلسطيني، وهو أيضا يمثل مطلبا شعبيا لسكان غزة، ترجمته المظاهرات التي شهدها القطاع للمطالبة بإنهاء حكم حماس ووقف الحرب ناهيك عن كونه مطلبا جماعيا، سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي.

وهنا يمكننا القول بأن العداء بين الفصائل وفي القلب منها حماس من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، لا ينفي تماهيا أيديولوجيا، يمثل خطورة أكبر من مجرد الصراع نفسه، خاصة وأن تلك الحالة من شأنها خلق حالة من التوافق بين طرفي المعركة حول استمرار الحرب، ولو حساب البلاد والعباد، انتصارا للأيديولوجية أحيانا، وللمصالح الشخصية أحيانا أخرى، وهو ما قد يقود المنطقة بأسرها إلى دائرة مفرغة من العنف الدائم والمتواصل ويهدد استقرار كافة دول المنطقة.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر


الرجوع الى أعلى الصفحة