جاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى القاهرة، في لحظة إقليمية بالغة التعقيد، وفي سياق عالمي يتغير بسرعة، لكنها في جوهرها تؤكد حقيقة واحدة أن العلاقات المصرية الإماراتية هي شراكة استراتيجية متجذرة في التاريخ والمصالح المشتركة والتفاهم العميق بين البلدين، فالزيارة تخطت القواعد البروتوكولية، ليطغي عليها الطابع الأخوي، لذلك لا يمكن التعامل معها باعتبارها حدثا دبلوماسيا عاديا.
على مدار العقود الماضية، أثبتت العلاقات المصرية ـ الإماراتية أنها نموذج للعلاقات العربية التي تتجاوز الأحاديث الدبلوماسية الرسمية لتصل إلى مرحلة من التنسيق الفعلي والتعاون العملي في مختلف المجالات، وذلك لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة مسار طويل من التفاهمات المتراكمة التي ترسخت منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واستمرت مع القيادة الحالية في الإمارات، التي ترى في مصر ركيزة أساسية للاستقرار العربي.
وحملت هذه الزيارة مجموعة من الدلالات خاصة أنها تأتي في ظل توترات إقليمية متصاعدة، سواء في فلسطين أو السودان أو ليبيا، إضافة إلى تحديات اقتصادية تعصف بالعالم كله.
ومع ذلك، هناك بُعد آخر لا يقل أهمية، وهو أن هذه الزيارة تؤكد مرة أخرى أن العلاقات بين القاهرة وأبوظبي ليست علاقة تحالفات عابرة تخضع لتغير المصالح أو الظروف، بل هى علاقة استراتيجية عميقة تقوم على رؤية موحدة لمستقبل المنطقة، فالإمارات كانت دائما داعما رئيسيا لمصر، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، ولكن أيضا على المستوى السياسي والأمني، فالعلاقات بين البلدين قوية وعميقة وتاريخية، وتعكس مكانة مصر لدى الدول العربية باعتبارها القلب النابض للوطن العربي.
ولا يمكن الحديث عن العلاقات المصرية الإماراتية دون التطرق إلى الجانب الاقتصادي، فهو أحد الأعمدة الرئيسية التي تدعم هذه العلاقة، فالإمارات من أكبر المستثمرين العرب في مصر، ومشروعاتها تمتد من قطاع الطاقة إلى العقارات، ومن التجارة إلى التكنولوجيا، وهو ما يجعل هذه العلاقة نموذجا ناجحا في التعاون العربي، لكن يبقي أهم ما يميز هذا التعاون أنه جزء من رؤية أوسع تهدف إلى دعم الاستقرار في مصر، لأن استقرار مصر يعني استقرار المنطقة.
والحقيقة أن التوافق المصري الإماراتي في القضايا الإقليمية ليس جديدا، لكنه في هذه المرحلة يحمل أهمية خاصة، فالمنطقة تمر بمرحلة إعادة تشكيل للتحالفات، وهناك صراعات قائمة لم تُحسم بعد، سواء في فلسطين أو السودان أو اليمن، وهنا يظهر دور مصر والإمارات كلاعبين رئيسيين في المشهد الإقليمي، حيث يسعيان معا لتشكيل موقف عربي موحد قادر على التعامل مع هذه التحديات.
في الملف الفلسطيني، على سبيل المثال، تبدو الأمور أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، لكن التنسيق المصري الإماراتي قد يكون عنصرا فاعلا في الوصول إلى حلول عملية تضمن الحد الأدنى من الاستقرار، كذلك في ليبيا، تظل رؤية البلدين قائمة على دعم مؤسسات الدولة ورفض التدخلات الخارجية، وهو ما يعزز فرص التوصل إلى حل سياسي مستدام، وفي السودان، حيث المشهد يزداد تعقيدا، يمكن أن تلعب مصر والإمارات دورا رئيسيا في دعم جهود السلام.
لكن ما يجعل العلاقة بين القاهرة وأبوظبي نموذجا ناجحا للعلاقات العربية أنها ليست علاقة تقوم على المصالح السياسية قصيرة المدى، بل على رؤية طويلة الأمد تدرك أن استقرار أي دولة عربية هو استقرار للجميع، هذه العلاقة لم تهتز رغم التغيرات الدولية والإقليمية، بل ازدادت قوة مع مرور السنوات، لذلك فالعلاقات المصرية ـ الإماراتية تصلح أن تكون نموذجا يُحتذى به في العالم العربي في حال امتلكت الدول العربية القدرة على بناء تحالفات قائمة على المصالح المتبادلة، وليس على حسابات المكسب والخسارة قصيرة الأمد.
وختاما.. فإن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تؤكد أن هناك دولا عربية تدرك أن استقرارها مرتبط باستقرار شركائها، وأن بناء التحالفات القوية لا يكون بالكلمات، بل بالفعل على الأرض، كما أنها تعكس عمق العلاقات بين البلدين والتعاون الاقتصادي الكبير والرغبة في تعزيز سبل التعاون في مختلف المجالات والتنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة