في حديثه الصريح كالعادة، تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الأزمة التي يعيشها المشهد الدرامي المصري حاليا وقال السيسي خلال لقاء "المرأة المصرية والأم المثالية"، السبت الماضي إن دور الفن والإعلام مهم في تشكيل الشخصية المصرية والذوق العام، مضيفا أنه تحدث في هذا الأمر وطلب مراجعة وليس منعا.
وتابع الرئيس أن الدولة المصرية كانت تساهم في الدراما وكان هناك إنتاج تليفزيوني للدولة، وأهداف وضعها متخصصون من أساتذة الجامعات المتخصصين في الإعلام وعلم النفس والاجتماع، ويدركون ماهية وتعريف كلمة مجتمع وصياغته، مضيفا أنه حدثت تطورات خلال الأربعين عاما الأخيرة وزادت الأعباء على تليفزيون الدولة فبات غير قادر على القيام بهذا الدور.
وأوضح الرئيس أنه إذا كانت تكلفة صناعة الدراما تصل إلى 30 مليار جنيه فإن تأثيرها على المجتمع يبلغ أرقامًا كبيرة للغاية تنفقها الدولة في أشياء أخرى.
وكان الرئيس واضحا حينما قال إن الموضوع تحول من صناعة إلى تجارة مع الوضع فى الاعتبار أنه من الممكن تحقيق أرباح لو كانت الأعمال جيدة، مضيفا أنه يخشى على الذوق العام للمصريين .".
ودعا الي ضرورة معالجة هذا الخلل لكي تكون الدراما بحق أداة من أدوات تعزيز الهوية الوطنية لا إهدارها وتدميرها، خاصة في الوقت الذي تتعرض له مصر لهذا الكم من الأخطار، وهذه التحديات التي يجب على الجميع أن يتكاتف لمواجهتها.
وقد أهتمت جهات عديدة بهذه بالرسائل الرئاسية الصريحة والمباشرة فشرعت الجهات في تشكيل لجان متخصصة لبحث كيفية تطوير الدراما بحيث تكون بالفعل أداة من أدوات القوي الناعمة المصرية ومن أبرز هذه الجهات : المجالس الوطنية للإعلام والمجلس الأعلي للجامعات وعدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومنها المنظمة العربية للحوار التي أصدرت دراستها هذا الأسبوع تحت عنوان " دراما رمضان ٢٠٢٥ في الميزان " .
وهذه الجهات كلها في استجابتها لدعوة القيادة السياسية لتطوير الإعلام تحركها شعور بالمسئولية الوطنية والرغبة في دعم الدراما لتكون أداة من أدوات البناء والتنمية وتحقيق أهداف الدولة المصرية .
وللحديث عن الدراما المصرية، يجب أن نبدأ من مسلمات رئيسية اولها إنه لا يهدف هذا الحديث إلى تقييد حرية الإبداع والفكر، وإنما تقديم دراما تعبر بصدق عن الواقع المصري، وتتناول قضايا المجتمع بأسلوب احترافي يعزز الهوية الوطنية والانتماء، مع التزام بالثوابت الأخلاقية والحضارية.
والحقيقة عند مراجعة المشهد الدرامي الحالي ينبغي القول احقاقا للحق ان هناك عدد من الأعمال الدرامية متميزة وبها جهد طيب واضح وتعالج مشكلات حقيقية في المجتمع وبها تمير في التمثيل و الاخراج ومحاولات جادة للتفاعل والتعاطي مع المجتمع .
ولكنها أعمال قليلة إذا ما قورنت بالعدد الأكبر من الأعمال التي تقدم مضامين بها تشويه لصورة المجتمع المصري وتشجع علي العنف والجريمة والفتن والأمور السطحية .
وتشير الدراسات إلي أن هناك عدد من المتغيرات تؤثر في هذا الانتاج الدرامي وجودته وفي مقدمتها أنواع وأنماط ملكية شركات الانتاج الدرامي سواء المصري منها أو غير المصري ويمكن للمتابع بوضوح أن يتبين قوة هذا المتغير بتحليل أعمال درامية بعينها تنتجها احدي الشركات الغير مصرية وما تقدمه من مضامين سلبية .
ومن المتغيرات المؤثرة ايضا في تراجع مستوي جودة الانتاج الدرامي وضعف النصوص و البناء الدرامي، وغياب الحبكة المتماسكة، والاستخدام المتكرر للقوالب والموضوعات النمطية، مع تغليب البعد التجاري على الإبداع الفني وغياب البحث والتوثيق وضعف أداء بعض الممثلين
ولكن المؤكد رغم وجود أعمال قليلة ايجابية وكثيرة سلبية أن المشهد الدرامي الآن يحتاج الي إعادة ترتيب للخروج بالمأمول منه في دعم مسيرة التنمية والبناء في الجمهورية الجديدة .
وهنا ينبغي للمهتمين بحال الدراما المصرية العمل علي محورين رئيسين للحركة : الأول هو. وضع رؤية واضحة للانتاج الدرامي والأهداف المرجوة منه في تعزيز الهوية المصرية والعربية
والثاني : هو تحديد آليات التطبيق الفعلية التي من شأنها تنفيذ هذه الرؤية بشكل علمي ومنضبط ودقيق واحترافي .
والمحور الاول يستهدف وضع رؤية استراتيجية تتبناها الدولة المصرية للإنتاج الدرامي ليناسب قيم المجتمع المصري و يتوافق مع تطلعاته وأحلامه وآماله فمعظم هذا الإنتاج الدرامي الكثيف يتحرك بدون رؤية واضحة وغير محدد فيه أولويات حقيقية للمحتوي وبلا هدف واضح يهتم بالتماسك المجتمعي وبناء الوطن وأهدافه من منطلق دور الإعلام والدراما فى تشكيل الوعى المجتمعى وتعزيز الأخلاق والقيم المصرية الراسخة، لما للإعلام والفن من دور أساسى فى بناء الشخصية المصرية حيث تلعب الدراما دورًا محوريًا في تشكيل وعي المجتمع وحمايته .
والمحور الثاني يتعلق بوضع آليات واضحة للتطبيق في تنفيذ هذا الانتاج الدرامي الذي نستهدفه ليكون قوة من القوي الناعمة لمصر كما كان دائما عبر تاريخ الإعلام العربي من خلال ادوات متطورة بما يتواكب مع متغيرات العصر في ظل عالم سريع التغيير تسيطر فيه تكنولوجيا الإعلام الجديد والذكاء الاصطناعي علي مراحل انتاجه الإعلامي والدرامي خاصة بعد أن أصبح كل فرد يمكنه أن يقدم إنتاجًا ليس دراميًا فحسب، بل إنتاج يتواصل مع المشاهدين بشكل مباشر.
ومن أهم اليات التنفيد والتطبيق لتطوير المحتوي الدرامي المقدم هو وجود مراكز اكاديمية إعلامية بحثية تقوم أولا بدراسة وتحليل الأعمال الدرامية السابقة لمعرفة نقاط الضعف في المعالجة الدرامية وعمل قياسات آراء الجمهور والنقاد حول أبرز المشكلات التي تواجه الدراما الحديثة.وتعمل علي
وضع معايير واضحة لجودة النصوص، الإخراج والإنتاج، وأداء الممثلين.
وتحديد الفئات المستهدفة من الجمهور لضمان تقديم محتوى يناسب اهتماماتهم.
والتعاون مع مؤسسات أكاديمية ومراكز بحثية لدعم دقة المحتوى الدرامي وتطوير النصوص والسيناريوهات من خلال جلسات حوارية نقاشية لكتابة المحتوي بإشراف خبراء في الدراما وعلم النفس وعلم الاجتماع مع التحديث المستمر في أساليب الإنتاج والإخراج والتمثيل بالتدريب الاحترافي لتقنيات العمل الدرامي بحيث يؤدي ذلك الي تحسين جودة الأعمال الفنية وتعزيز تأثيرها الثقافي والاجتماعي.
إن مصر العظيمة صاحب التاريخ الطويل في الريادة الإعلامية والدرامية تستحق في هذه المرحلة مشهد درامي وإعلامي يليق بها وشعبها وكفاءاتها ورأس مالها الاجتماعي الضخم من العقول والمواهب التي تستطيع ان تساهم بإخلاص في إعادة تشكيل الخريطة الدرامية والإعلامية لتعبر عن هوية مصر العظيمة .
وهي دعوة مفتوحة لكي يشارك كل المتخصصين والخبراء في هذا الحوار المجتمعي الوطني الهام شريطة أن يكون الحوار قائما علي علم ورؤية ومهنية ويكون بعيدا عن العشوائية وعدم التخصص وعدم تقدير كل الكفاءات والتي اضطرت بالمشهد المصري الذي يتسع للجميع من أجل صالح مصر وبناء الجمهورية الجديدة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة