المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط، ستيف تشارلز ويتكوف، رجل على مشارف السبعين من عمره، بدأ حياته العملية، محامى عقارات، ثم مستثمرا ومطورا عقاريا، وصار مليارديرا، يمتلك مجموعة «ويتكوف» الشهيرة، لم يكن طوال عمره الطويل له علاقة بالسياسة، سوى أن الرئيس دونالد ترامب فى ولايته الأولى، عام 2020، اختاره عضوا فى مجموعات صناعة النهضة الاقتصادية الأمريكية العظيمة، والتى أُنشئت لمكافحة التأثير الاقتصادى لجائحة كورونا فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وفى نوفمبر 2024 أعلن الرئيس دونالد ترامب فى ولايته الثانية، إنه سيعين «ويتكوف» مبعوثا خاصا للولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط، وهكذا الرجل وهو على مشارف السبعين من عمره وجد نفسه مبعوثا من بلاده إلى المنطقة الأكثر التهابا فى العالم، والتى تتمتع بخصائص وتعقيدات لا شبيه لها على هذا الكوكب، جغرافيا ودينيا واجتماعيا وثقافيا، ومن ثم تحتاج إلى شخصية متمرسة ومتخصصة قادرة على فهم طبيعة المنطقة، وخصائص شعوبها.
«ويتكوف»، يتحدث دائما عن الشرق الأوسط وكأنه حديقة منزله الخلفية، ويخلط الملفات بعضها فى بعض، فى عملية تيه عجيبة، لا تفهم إذا كان حديثه عن غزة بمعزل عن حديثه عن مصر والأردن والمملكة العربية السعودية؟ وهل يتعمد إيصال رسائل مغلفة، تفتقد للمعرفة الحقيقية لطبيعة شعوب المنطقة، وأهمية الشرق الأوسط الجيوسياسية؟
فعلى سبيل المثال، هل قرأ الرجل، أو استمع للمؤسسات الرسمية لبلاده، مثل الخارجية والبنتاجون، عن طبيعة مصر، وشعبها صاحب الحضارة والثقافة المتجذرة فى أعماق التاريخ، والقائمة على أن الأرض، عِرض وشرف، ودونها الرقاب، وأن الشعب لا يتوحد ويتماسك بقوة إلا فى لحظات الخطر، ولا يرضخ لضغوط، وقد رأينا خلال الأشهر القليلة الماضية كيف التف الشعب المصرى حول موقف القيادة السياسية، وأعلن تأييده ودعمه المطلق لقواته المسلحة فى الذود ومجابهة أية مخاطر تهدد حدودنا بشكل عام، والشمالية الشرقية على وجه الخصوص.
الشعب المصرى، يا سيد «ويتكوف» لا تعنيه الأزمات الاقتصادية، فعندما خرج أحمس الأول لتحرير وتطهير مصر من دنس الهكسوس، كانت مصر ممزقة، وذلك نتيجة الانهيار ما بعد الدولة الوسطى، وهى الفترة التى يُطلق عليها «عصر الاضمحلال الثانى» أو «الانتقال الثانى» وقد كانت الأوضاع الاقتصادية سيئة، ولم تكن هناك دولة موحدة ومتماسكة، ورغم كل هذه المصاعب، استطاع أحمس أن يقود جيشا انطلق من أقصى الجنوب «طيبة» متوجها إلى الشمال لتحرير البلاد، واستطاع أن يطرد الهكسوس ويطاردهم إلى ما بعد حدود سيناء.
ولم يكن الوضع الاقتصادى والسياسى، أحسن حالا عندما قرر التتار التوجه إلى مصر، وغزوها، وتمكن المصريون من الالتفاف والتوحد تحت راية واحدة لصد الغزو التترى المخيف، باعتبار أن مصر آخر حائط صد للأمة، لو سقطت لسقطت الأمتان الإسلامية والعربية، فى بحور التيه، لكن المصريين وكعادتهم، تُزيدهم المخاطر قوة وصلابة، لقنوا المغول درسا قاسيا فى عين جالوت، بقيادة سيف الدين قطز، من خلال جيش قوامه 40 ألف مقاتل مصرى.
ولن نتحدث عن كل المعارك القديمة المشابهة، والذى قهر فيها المصريون كل الصعاب، وتصدوا لكل الجيوش الجرارة، ونختتم بذكر معركة معاصرة، ملتصقة بجدران الذاكرة الآن، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهى معركة رد الاعتبار، وتحرير الأرض يوم 6 أكتوبر 1973.
انتصار أكتوبر، جاء فى توقيت كانت تمر فيه مصر بصعوبات اقتصادية جمة، وتراجع فى الروح المعنوية للمصريين، وحالة من عدم اليقين فى قدرات كل شىء، عقب نكسة 1967 والتى كانت ضربة مؤلمة للمصريين جميعا، بجانب التفوق الإسرائيلى، تسليحا ومعنويا، وبناء ساتر ترابى معقد، كانت القوى العظمى، تؤكد أن اقتحامه يحتاج لأطنان من القنابل والديناميت، وهو ما يعد بمثابة المستحيل.
رغم كل هذه المعوقات، حقق المصريون، انتصارا مدويا وعظيما، أعاد به رد الاعتبار للأمة، واستعاد الأرض، وأعاد رسم خريطة القوة من جديد.
الشاهد من هذا السرد، أن سمات الشخصية المصرية، مختلفة، متكئة على حضارة عمادها 6 آلاف سنة، تتوحد وتتماسك بقوة عند المخاطر، يمكن لهم أن يختلفوا فى أشياء كثيرة، لكن راية وطنهم، وعندما تهدده المخاطر، يتوحدون، لذلك فإن مصر هى الدولة الوحيدة المحتفظة بحدودها منذ بدء الخليقة وحتى الآن، وأن الأرض تمثل للمصريين، عرضا وشرفا، تُضحى من أجلها الأرواح.
تأسيسا على ذلك، فإن أهم نصيحة تٌقدم للمبعوث الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، هى ضرورة قراءة ومعرفة سمات الشخصية المصرية بشكل خاص، التى تتميز بروح العزة والكرامة، وأن المخاطر توحدهم وتقوى عزيمتهم.