المشهد الذى رأه العالم فى البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونائبه من جهة، والرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكى يبدو متسقا مع مرحلة وأداء الرئيس ترامب، لكنه كاشف أيضا عن تحولات الصراعات والحروب بتحولات المصالح، وخطورة أن يكون مصير دولة ضمن أوراق وألعاب حرب باردة، وبتشجيع ووعود من بعض دول أوروبا الكبرى، خاصة بريطانيا وألمانيا.
لكن المشهد فى البيت الأبيض تجاوز البروتوكولات والقواعد، ودخل فى سياق مسرحى عبثى، كان فيه الرئيس ترامب يشوح بيديه، ويلمس كتف زيلنيسكى، ونائب الرئيس ترامب هو الآخر يضاعف من جرعات التبكيت، كل هذا على الهواء وأمام الميكروفونات والكاميرات اللايف أمام كل سكان العالم، والواقع أن زيلينسكى حظى بتعاطف كبير، حتى من بعض من يرونه أحد عناصر أزمة بلاده.
التعاطف من كونه واجه ضغطا كبيرا من ترامب ونائبه، وحاول الرد بقدر المستطاع، ثم إن أى مفاوضات أو مساع يفترض أن تكون جزءا من بروتوكولات وتتم بعيدا عن الكاميرات، لكن المؤتمر الصحفى كان واضحا أنه يهدف إلى إحراج زيلينسكى، ولهذا انتهى بإلغاء المؤتمر، فقد قال ترامب لزيلينسكى: إن جنودك يتناقصون وبلادك فى ورطة وأنت تخبرنا أنك لا تريد وقف إطلاق النار، ليست لديك أى أوراق للعب بها بدون دعمنا وعليك أن تكون ممتنا، أنت أظهرت عدم احترام لأمريكا، يمكنك العودة للبيت الأبيض مجددا عندما تكون مستعدا للسلام وقال نائب الرئيس الأمريكى دى فانس لزيلينسكى: لديكم مشكلة فى عدد الجنود وعليكم أن تكونوا ممتنين للرئيس ترامب لرغبته فى إنهاء الصراع، وتساءل زيلينسكى: «ما نوع الدبلوماسية التى تتحدث عنها يا جى دى (نائب الرئيس ترامب)؟» قبل أن يقول فانس «أعتقد أنه من قلة الاحترام أن تأتى للبيت الأبيض وتجادل أمام وسائل الإعلام الأمريكية».
وزير الخارجية الأمريكى، ماركو روبيو، قال إن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى يجب أن يعتذر بعد أن تحول اجتماعه مع الرئيس ترامب إلى الفشل، ومن الواضح أن الاتصالات السابقة بدا أنها تثمر نحو اتفاق ينهى الحرب، لكن روبيو قال إن زيلينسكى أضاع الفرصة.
لكن أيضا كان هناك تربص وصل إلى حد أن سأل صحفى أمريكى زيلينسكى لماذا لا يرتدى بدلة، ورد الأخير أنه يسوف يرتديها عندما يتحقق النصر، وبالطبع فقد بدا الأمر كله مثيرا للصدمة والسخرية وإن كان يعبر عما يدور فى الغرف بعيدا عن الكاميرات، زيلينسكى طرد تقريبا، وغادر البيت الأبيض بسرعة وبدا أن تخلى أمريكا عن أوكرانيا يمكن أن يغير الحرب ومصيرها.
زعماء أوروبا أعلنوا دعمهم لزيلينسكى بعد طرده من البيت الأبيض وقالت ألمانيا وبولندا وفرنسا وأستراليا، إن أوكرانيا ليست وحدها، وأن موسكو هى المعتدية، والواقع أن موقف أوروبا مع أوكرانيا كان فى الأساس مدفوعا بدعم أمريكا والرئيس السابق بايدن، لكن الولايات المتحدة تقول إنها قدمت 350 مليار دولار وبالفعل كان صمود أوكرانيا بأسلحة وصواريخ أمريكية، وهو ما يدفع للتساؤل عن المدى الذى تظل فيه أوروبا داعمة لحرب تبدو بالفعل بلا أفق وقد انعكست فى صورة أزمات اقتصادية فى كل النواحى، بينما يرى بعض المراقبين أن الولايات المتحدة أو ترامب يريد كسب موسكو فى صراعه مع بكين، وهو أمر قد يبدو بعيد المنال، وفى مقابل الدعم الرسمى الأوروبى فإن هناك اليمين المعارض بأوروبا الذى يرى أن الدعم الأوروبى لزيلينسكى على حساب المواطن الأوروبى وحياته.
التعاطف مع الرئيس الأوكرانى لا يمنع من أنه كان أحد الأسباب التى أشعلت الحرب عندما استجاب لدعاوى أوروبية وأمريكية بالسعى للدخول فى حلف الناتو وهو ما يمثل تهديدا لموسكو، والتى ترى أن استمرار الناتو هو فى حد ذاته عداء وتربص خاصة بعد تفكك حلف وارسو أحد عناصر الحرب الباردة، ولهذا اشتعلت الحرب واعتبرت موسكو أنها تسعى لوقف التهديد، وقرر بوتين شن الحرب.
الحرب التى أكملت 3 سنوات، وبالطبع قبلها بسنوات، أوروبا والولايات المتحدة توظفان أوكرانيا للعب فى الفناء الخلفى لروسيا، لكن روسيا بعد أن استعادت تماسكها فى عقاب تفكك الاتحاد السوفيتى ضمت القرم ثم بدأت مساعى ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو ما أهاج موسكو ودفعها لبدء حرب تستمر طوال 3 سنوات.
لاشك أن المتوقع أن تحدث تطورات تعيد الأمر إلى التفاوض، لكن بالفعل يتمسك زيلينسكى باستمرار الحرب باعتبار أنه فى موقف ضعيف، لكن الدعم الأوروبى وحده قد لا يكون كافيا، مما قد يعجل بإنهاء الحرب، لكنه أيضا يشير إلى تحول مسرحى فى السياسة الدولية.

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة