عصام محمد عبد القادر

المُحَاكَاةُ الرَّمَضَانيّةُ

الأحد، 02 مارس 2025 01:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في شهر الإحسان، والفضيلة تتأهبُّ الأسرةُ المصريّةُ، وتعمل على تجهيز مقوّمات العبادة الرمضانية، التي تتواصل على مدار أيام هذا الشهر الكريم، وهنا تجد حالةً من الانْسجام الأُسري، حيال العديد من الأمور اليوميّة؛ فترى الجميع في حالة من الحِراك المُسْتدام، والمشاركة الإيجابية، في كافة المهام التي يكلف بها كل فرد داخل الإطار الأُسريّ، أو حتى يقوم بها طواعية، ومن خلال مظهرٍ يدل على الرضا دون توجيهٍ.

يلاحظُ الأبناءُ حالة الاستعداد القُصْوى التي يبيدها ربُّ الأسرة، والقائمُ على رعايتها؛ فهناك صلاة في مواعيدها، وتسابيح في العديد من المواقيت، آناء الليل، وأطراف النهار، وهناك ذهابٌ، وإيابٌ للمسجد؛ حيث تُرْجي المثوبةُ، والأجر التام في حضور صلاة الجماعة، وهناك تهجّدٌ في الليل، وسننٌ معلومة لا تُتْرك، وهناك اصْطفافٌ سريعٌ عند أداء الواجبات، وهناك محبّةٌ، وتآلفٌ بين روّاد المساجد، وشتّى أماكن العطاء.

ويشاهد الأبناء حالةً من رُقيّ التعامل مع الغير؛ حيث الرفق، والمحْنة، والمحبّة للجار، ولمن نقابله في المتْجر، أو الشارع، أو المسْجد، أو في أي مُلْتقي، يتجمع فيه الناس؛ فالجميع يُبْدى بشاشة الوجه، ويقدم الكلم الطيب، ويحسن التعامل، ويحرص على ألا يكدّر صفْو الغير، أو يتجاوز في حقه، سواءً أكان بالقول، أم الفعل؛ فالكلُّ حريصٌ على إشاعة مناخ المحبّة، والتآخي، وهنا يبْدو المشْهد المثاليّ، الذي نتمنى أن يُسْتدام، ولا يتغير بعد انقضاء شهْرِالفضيلة، والكرم.

إن التكاسل يهجره الجميع دون استثناء في هذا الشهر الذي يغْدو في ذهابه سريعًا؛ فلا مجالَ لكثير من النّوم، ولا مدْخل للهو، ومضْيعة الوقت فيما ليس بنافعٍ؛ فالكبيرُ يقرأ القرآن الكريم، ويشاركه الصغيرُ، وجلسات الصفو، والذكر على مدار الساعة قبل أداء الفرائض، وبعد انقضائها، وهنا يرى الصغيرُ همّةً، وعزيمةً، وإرادة الكبير في التمسّك بالطاعات، وممارسة كل ما من شأنه يمثل مثوبةً، وفعْلٍ من صالح الأعمال المأجورة بإذن الله – تعالى-، وكرمه، وجوده، وعطائه الذي لا ينْضب.

في شهر العفو، والمغفرة تجد التّراحم، والتَّزاور، والوِصال في قمة أولويات الأسرة؛ فيتغاضى الفرد عن تجاوزات الآخرين من الأقارب حِسْبةً لله – تعالى – بل، وتصفو النّفوسُ، وتتحسّن الظُنونُ، ونصفح عمن أخطأ؛ فلا مجال للعتاب، أو الجدال، أو مواصلة الخِصام، أو كل ما من شأنه، أنْ يُفرّق، ولا يجْمعَ؛ فيرى الأبناء نموذج العفو، والصفح، وإيثار النَّفس وتجاوز السلْبيات في صورتها الواقعيّة التي تُحْدث الأثرَ الطيّبَ لديهم، وتُشْعرهم بأهميّة نفحاتِ هذا الشهر الكريم، ودوره في رأْب الصّدْع، ولمّ الشّمْل.

ورَحابةُ الاستقبال التي يشاهدها الأبناء من قِبل الكبار تُحْدث في النفس أثرًا إيجابيًا؛ حيث المحبة، والقبول، وحسن المقابلة، وطيبها، بما يساعد في الاندماج الاجتماعيّ داخل حيّز الأسرة الكبيرة، أو ما نسميها بالعائلة؛ لذا يحاول الصِغارُ أن يقتدوا بصور من الترْحيب بالأقارب، والأهْل، ويقدّمون لهم ما يُدْخل على النَّفس البهْجة، سواءً من كلمات رقْراقةٍ، أو ما يُعدُّ من عادات كرْم الضّيافة من مأْكلٍ، أو مشْربٍ، أو وفْق ما يُعْتبر من عادات الأُسر، والمُجْتمعات.

عندما يرى الصِغارُ ما يقدمه الكبارُ، أو ربُّ الأسرة من متلونٍّ صدقات في هذا الشهر العظيم يدرك حينئذٍ الأبناء ماهيّة العطاء، وأهميته، وفلسفته في خضّم هذا الشهر الكريم؛ فما أجمل العطاء !غير المنقوص؛ حيث صدق النوايا المغلفة بالمحبة، والرضا، والسرور، وما أجمل اقتداء الأبناء بتلك الممارسات الطيبة!، التي نستحسنها على الدوام؛ لتصبح من صور الاتصاف القيمي لديهم؛ فيواصلون العطاء بشكلٍ مُسْتدامٍ، ويقدمون صورًا، وأنواعًا من التكافل مع الغير قدْر المتاح، والمُسْتطاع.

فالمحاكاةُ الرَّمضانيّةُ داعمةٌ لصور القيم النبيلة، والخلق الحميد الذي نأمل غرْسه في النشء؛ لذا يمكننا القول بأن تقويم السلوك، وبناء الشخصية السويّة التي تتعرف أهمية ضُروب الخير في هذا الشهر الفضيل لفرْصةٌ سانحةٌ لا ينبغي أن نتركها، أو نتجاهلها، أو لا نهتمُّ بها؛ فثمراتُ الخير لا تنْضبُ ما دامتْ القدوة قائمةً بين المجتمع الصغير المتمثل في الأسرة، والمجتمع المتوسط المتمثل في العائلة، والمجتمع الكبير الذي نعيش في رحابه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة