بيشوى رمزى

التحالف الأمريكي - الروسي

الأحد، 02 مارس 2025 02:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

التقارب مع روسيا ربما كان أحد أبرز سمات الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أثار الكثير من الجدل عبر التلاعب في ثوابت واشنطن التاريخية، فيما يتعلق بإدارة العلاقة مع الخصوم، فلم تعد موسكو هي العدو الأول للولايات المتحدة، بل على العكس صارت هناك تفاهمات ولقاءات، أشهرها عقد في هلسنكي بين سيد البيت الأبيض، وفلاديمير بوتين، في عام 2018، بينما تحولت الصين إلى مقعد الخصم المباشر لأمريكا، في ضوء حرب تجارية شعواء أطلقها ترامب، على بكين، بسبب اختلال الميزان التجاري، أثرت بصورة كبيرة على الاقتصاد الأمريكي، لعقود طويلة من الزمن، وهو ما أثار امتعاض معارضي الإدارة في الداخل الأمريكي، إلى حد اتهام الرئيس بالعمالة لروسيا، بينما لم تروق الأمور بصورة كبيرة لأنصاره، في ظل التغيير الكبير والمفاجئ في الكيفية التي تدير بها أمريكا في عهده العلاقة مع الخصوم.

وبالنظر إلى نهج ترامب في الولاية الأولى، نجد أن ثمة ارتباطا عميقا بين الكيفية التي أدار بها الرئيس الأمريكي، العلاقة بين واشنطن، مع محيطها الدولي، سواء من الحلفاء أو الخصوم، بالاقتصاد، بينما تخلى في سبيل ذلك عن العديد من الثوابت، منها مبادئ التجارة الحرة، والتخلي عن نهج العولمة الذي وضعته الولايات المتحدة نفسها، والعودة إلى سياسات الحمائية وما كان يسمى في مرحلة ما قبل الحروب العالمية بسياسات "إفقار الجار"، وهو ما يبدو في الاستعداء الصريح للصين، في الوقت الذي لم ينجو فيه حلفاء أمريكا الأقرب في دول أوروبا الغربية من رؤى ترامب وسياساته، التي ألحقت بها الكثير من الأضرار.

إلا أن رؤى ترامب ربما تغيرت، أو بالأحرى جرى تحديثها، فروسيا لم تعد خصما لأمريكا مع ولايته الجديدة، بل وليست منافسا، وإنما أصبحت أقرب إلى واشنطن من الحلفاء، وهو الأمر الذي يمثل صدمة تاريخية، سواء للداخل الأمريكي، أو لحلفاء الولايات المتحدة، وهو ما بدا أولا في الأمم المتحدة، في الأسبوع الماضي عندما تضامنت أمريكا مع الروس فيما يتعلق بمشروع قرار حول السلام في أوكرانيا، ليرفضا معا الصيغة الأوروبية، ثم تأججت الأمور بعد ذلك داخل في المشهد الأكثر إثارة، داخل أروقة البيت الأبيض، بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي، والذي يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ إدارة العلاقة بين واشنطن وحلفائها، ليس فقط فيما شهده اللقاء من مشادات غير مسبوقة على مرأى ومسمع الإعلام، ووسط متابعة عالمية.


والمفارقة المثيرة للانتباه في هذا الإطار، تتجلى في حقيقة مفادها أن نهج ترامب تجاه الحلفاء، ليس جديدا على الولايات المتحدة، وإن كان جديدا بالنسبة إلى أوروبا، إلا أنه سبق للولايات المتحدة اتخاذ نفس المنحى مع حلفاء في مناطق أخرى بالعالم، في إطار عملية إعادة هيكلة للتحالفات، في محاولة لتجريد الحلفاء من أي نزعات استقلالية قد تتصاعد لديهم، عن الدوران في فلك واشنطن، وهو ما بدا في إطار علاقة باراك أوباما بحلفائه في الشرق الأوسط، وتوجهه نحو استبدالهم بآخرين، بالتزامن مع ما يسمى بـ"الربيع العربي" وهو الأمر الذي لم تعيه القارة العجوز مبكرا، ليتجلى المأزق الحالي، والذي يتزامن تصاعد ملحوظ لليمين المتطرف في عدة دول، حتى وإن لم يسيطر بشكل كامل على السلطة، فقد أصبح وجوده مؤثرا للغاية، خاصة مع توجهاته التي تحمل تقاربا مع رؤية ترامب فيما يتعلق بالتقارب، أو على الأقل مهادنة روسيا.

وفي الواقع، تبدو حالة التحالف التاريخية بين أمريكا وروسيا، بمثابة محاولة أخرى لتحقيق سوابق دولية، في إطار سياسات الضم، والتي سبق وأن تناولتها في مقالي السابق، في ضوء السعي إلى تحقيق السلام على ما آلت إليه الأمور على الأرض، بعد العملية العسكرية الروسية التي اندلعت قبل 3 أعوام، وهو ما يمكن تعميمه في المستقبل، في ضوء رغبات واشنطن في ضم أراض بعيدة عنها جغرافيا، من بينها جزيرة جرينلاند، التي تعد جزء من القارة العجوز، وتقع تحت سيادة الدنمارك، خاصة وأن أوكرانيا نفسها تعاني من نفس الحالة الهشة التي تعانيها المناطق الأخرى المستهدفة من الولايات المتحدة، جراء سقوطها في مستنقع الحرب خلال الأعوام الماضية.

وهنا يمكننا القول بأن تحالف أمريكا – روسيا، وإن كان نهجا جديدا تماما على السياسات الأمريكية منذ وجودهما معا في معسكر الحلفاء، خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنه حمل إرهاصات كبيرة، خلال السنوات الماضية، وخاصة خلال ولاية ترامب الأولى، عبر تقارب غير مسبوق معها، واستعداء أطراف أخرى، على غرار الصين، ناهيك عن تصاعد نزعة العداء تجاه أوروبا، سواء سياسيا عبر استهداف حالة الاتحاد أو اقتصاديا عبر قواعد حمائية استهدفت الواردات الأوروبية، ساهمت بجلاء في خلق أزمات كبيرة لاقتصادات دول القارة العجوز خلال السنوات الماضية، ولكن يبقى محلا لتساؤلات عدة أبرزها الكيفية التي يمكن لأوروبا أن تدير أزمتها، في إطار سنوات مقبلة، تبدو فيها الثوابت النمطية على المحك.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة