على أعتاب الأهرامات، حيث تلتقي عبقرية الأجداد مع إبداع الحاضر، يقف المتحف المصري الكبير شامخًا، ليس كمجرد صرح معماري، بل نافذة جديدة تطل منها الحضارة المصرية على العالم. إن هذا المشروع القومي لا يعيد فقط إحياء التاريخ، بل يرسم أيضًا ملامح المستقبل، جامعًا بين عبق الماضي وروح الحداثة، في تجربة استثنائية تنقل الزائر إلى قلب الحضارة الفرعونية بكل تفاصيلها المبهرة.
كان حُلماً فخاطراً فاحتمالاً؛ ثم أضحى حقيقةً لا خيالاً .. ظل حلم إنشاء متحف ضخم يليق بعظمة مصر وحضارتها يراود الأثريين لعقود، حتى جاء المتحف المصري الكبير ليجسد هذا الحلم على أرض الواقع، ويصبح أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، بمساحة تتجاوز 500 ألف متر مربع، و يقف على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة، ليشكل رابطًا حيًا بين الماضي والحاضر والمستقبل.
لم يكن اختيار موقع المتحف عشوائيًا، بل جاء ليعكس عبقرية المكان، حيث تصطف الأهرامات في الأفق، وكأنها تحتفي بولادة متحف يليق بها. ونجد التصميم الهندسي للمتحف، الذي أبدعه مهندسون عالميون، جاء ليحاكي روح العمارة المصرية القديمة، لكنه في الوقت ذاته يتمتع بأحدث التقنيات العالمية، مما يجعل الزائر يعيش تجربة فريدة تجمع بين الأصالة والحداثة.
ولأول مرة في التاريخ، يتم عرض كامل كنوز الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون في قاعة مخصصة داخل المتحف، ليكتشف الزوار أكثر من 5000 قطعة أثرية مذهلة، مما يجعلهم يشعرون وكأنهم عادوا بالزمن إلى عصر هذا الملك الغامض.
هذا المتحف المصري الكبير هو نافذة مصر على العالم، ونافذة العالم على مصر، لا يقتصر دوره على استقطاب ملايين السياح سنويًا، بل يسهم في تعزيز القوة الناعمة لمصر، إذ يُعد واجهة ثقافية عالمية تعكس عظمة الحضارة المصرية، وتؤكد أن مصر ليست فقط بلد الأهرامات، بل دولة قادرة على تقديم الماضي بروح العصر.
في كل زاوية من زوايا المتحف، يهمس الحجر، وتتحدث التماثيل، وتروي الجدران حكايات الأجداد. إنه ليس مجرد مبنى، بل جسر بين العصور، ونقطة التقاء بين أبناء هذا الزمن وحضارة سادت ثم خُلّدت. ومع افتتاحه، لا يُفتح باب المتحف فقط، بل يُفتح باب جديد لفهم التاريخ، والاستلهام منه لبناء المستقبل.
إن إصرار الرئيس السيسي على إنجاز هذا المشروع، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها البلاد، يبرهن على إيمانه بأن الهوية الوطنية لا تقتصر على التنمية الاقتصادية فقط، بل تشمل الحفاظ على التراث وتعزيزه. فالمتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى، بل رسالة للعالم بأن مصر، التي صنعت التاريخ، ما زالت قادرة على الإبداع والريادة.
وفي ظل الاستعدادات لافتتاح هذا الصرح العالمي، يدرك المصريون أن ما تحقق لم يكن مجرد بناء متحف، بل كان بناءً لجسر جديد يربط الماضي بالحاضر، ويؤسس لمستقبل أكثر إشراقًا لمصر على الساحة الثقافية العالمية. وذلك بفضل قيادة حكيمة ترى في التراث قوة، وفي الثقافة سلاحًا ناعمًا يعزز مكانة مصر بين الأمم. تؤمن بقوة الثقافة وتعي ثقافة القوة .. لما لا وقد نصرنا هذا الرئيس في حرب كان هدفها نفي عقولنا!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة