ما يحدث فى سوريا الآن، تدمع له العيون دما، والقلوب تنكسر حزنا، فالفارق بين شعب كان يعيش آمنا مستقرا على أراضيه، ويحقق نموا اقتصاديا وصل إلى 5 % قبل 2011 إلى شعب تقطعت أواصله ما بين الموت فى الداخل، أو الغرق بحرا، أو العيش لاجئا فى بلاد غريبة للناجين، وعندما سقط النظام على يد من حاول السطو على حراك السوريين فى مارس 2011 وعادوا فى حلة جديدة فى 2025، حتى فوجئ الجميع بالأفراح وليالى الملاح، وتدشين مصطلحات «فتح سوريا» و«تحرير سوريا» واستمرت الأفراح وليالى الملاح أياما، بينما كانت سوريا تتقطع على مائدة المطامع!
وبينما يلتف الشعب العربى والإسلامى، حول موائد الإفطار الرمضانية، يتناولون الإفطار بكل الأمن والأمان، ويتابعون الدراما التليفزيونية، كان السوريون يلتفون حول وسائل الإعلام الداخلية، وخلف شاشات التليفونات المحمولة، ما بين إجراء المكالمات الهاتفية، ومتابعة مواقع السوشيال ميديا، بلهفة وخوف ورعب، للوقوف على ما يجرى فى مدن وقرى الساحل، من مجازر يندى لها جبين الإنسانية!
القيادة الجديدة، الخليط من كل الجماعات الإرهابية والتكفيرية ومن مختلف الجنسيات، وبحلتها الجديدة، «البذلة والكرافات» وتسريحة الشعر وتهذيب اللحى، سرعان ما أظهرت عن وجهها الحقيقى، رغم المحاولات الحثيثة فى الظهور أمام كاميرات الفضائيات وعدسات الصحف والمواقع، فى شكل الحمل الوديع، والإدلاء بتصريحات محفوظة عن سوريا الجديدة المستنيرة الحاضنة لكل مكونات الشعب السورى، والخالية من الإقصاء والسجون والتعذيب، وأنه لن يُقصف قلم، ولن يُكمم صوت، فالجميع سيتمتع بالحرية والتعبير.
أما ما يدور بعيدا عن كاميرات القنوات الفضائية، وعدسات مصورى الصحف والمواقع، شىء مغاير يدعو للأسى والوجع، فالميليشيات تعيث فى الأرض، تنكيلا وقمعا وضربا وتحريما، بدأتها فى الأيام الأولى لسقوط نظام بشار، عندما طاردت عددا من العلماء، خاصة علماء الكيمياء والفيزياء، واغتالتهم بدم بارد، وحينها كان مؤشرا قويا على أن القادم سيكون أسود!
وجاءت أحداث مدن وقرى الساحل، فرصة قوية لتنفيذ مخطط التصفية العرقية، تحت شعار بسط إرادة الدولة، وكأن هذه الإرادة لا تُبسط إلا على أشلاء المسيحيين والعلويين والأشوريين والدروز والأكراد، والمعارضين مهما كانت انتماءاتهم، واستفاق السوريون من سُكر خمر الأفراح وليالى الملاح، ابتهاجا بتحرير سوريا، على جرائم القتل، والاحتراب الأهلى، فى مأساة فاقت كل التصورات، وكل التوقعات المتشائمة!
وبدأ السؤال المؤلم، لماذا اندلعت الثورة السورية فى مارس 2011 ضد نظام بشار الأسد؟ هل خرجوا معترضين على الظلم كما رددوا، رغم أن الحالة الاقتصادية كانت متميزة، والنمو وصل 5 % والدولة فى حالة أمن واستقرار؟ والإجابة موجعة، فمن الذين حملوا السلاح وقاتلوا الجيش السورى، وكل الأجهزة الأمنية، ومكنوا كل أعداء الأمة من سوريا، ووصلوا إلى سدة الحكم، يرتكبون جرائم بشعة تفوق ما كانوا يروجون له، عن جرائم النظام السابق، فكيف من كان ينادى بالحرية والديمقراطية ورفع الظلم، بالأمس، يرتكب جرائم ضد الإنسانية، منها تصفية عرقية لمكونات عرقية مخالفة له فى المذهب؟!
فهل استجار السوريون من الرمضاء، بالنار؟ وما معنى وقيمة هذه الحرية تحت القصف والخراب والدمار، والموت يلاحق بأجنحته الجميع؟ وما قيمة الحياة إذا غاب فيها الأمن والأمان والاستقرار، والرعب من المجهول، والمصير الدموى!
هذا الاقتتال بين مكونات الشعب السورى، أعطى الفرصة كاملة للطامعين لتنفيذ مخططاتهم، ورأينا العدو الأول للأمة «إسرائيل» كيف وظفت واستثمرت الفرصة، لتنفيذ مخططاتها والسيطرة على الأوضاع فى سوريا، أرضا وجوا وبحرا، وصارت لها الكلمة العليا!
هذه هى الأوضاع فى سوريا «المحررة»، والتى فتحت أحضانها للغرباء والطامعين، بينما الملايين يعيشون لاجئين خارج بلادهم، يحاول أصحاب النضال المزيف، ومجاهدو الكيبورد، تصديرها لدول الإقليم الكبرى، لتدميرها وتمزيقها وتفكيك جيوشها ومؤسساتها الأمنية الحامية، لتمكين كل الأعداء والطامعين منها!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة