عصام محمد عبد القادر

أَهْلًا رَمَضَانُ

السبت، 01 مارس 2025 01:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في شَهْر الرحمة، والغفران عاداتٌ اكتسبناها، وتوارثْناها من جيلٍ تلو الآخر؛ فهذا الترحيب الذي يبْدو في اسْتقبال شَهْر رمضان من زينةٍ، واستعدادٍ، لإعداد الموائد الجماعيّة، والتجهيز لمتطلبات المعيشة الاستهلاكيّة، وتدفق تبرعات خاصة بتوزيع وجباتٍ جاهزةٍ بصفة يوميّة، كل ذلك، وغيره من المُمَارساتِ التي إنْ دلّتْ على شيء إنما تدل على صور التَّكافل، والمحبّة، والرَّحْمة، وطلب المثُوبة، واندماج المجتمع المصريّ في فيْض كرم هذا الشَهْر العظيم، وعطاءاته، التي ترى فيها نوادرَ، لكنّها تحْدُثُ فقط على أرْض المحْرُوسَة دون غيرها.


يفْرحُ المُسْلمُ، والقِبطيّ بقدوم هذا الشهر، ومن حُسْن الطَّالع أن صيام الإِخوة الأقْباطِ يتزامنُ مع صيام المُسْلمين؛ فتشاهدُ المشْرب، والمأْكل، والموائد، وتوزيع الوجَبَاتِ التي يقوم بها كثير من الأقباط على المارّة من المسلمين قُبيْل غروب الشَّمْس، تعبيرًا عن محبّةٍ، وتآزرٍ، وإحْسَاسٍ راقٍ، كما تجد المُفْطِرَ لا يجْهرُ بإفطاره أمام الصائمين؛ تقديرًا، واحترامًا، وإمعانًا إيجابيًا تجاه ماهيّة الصيام، وما يتمخّضُ عنه من سِمّو الخُلقِ، ورُقيّ التَّعامل في شتّى مناحي الحياة.


تجد الاستعداد النّفسيّ في أوْجه قُبْيل قدُوم شهر الطاعات، وتتسمّع إلي المزيد من الأغاني التي ترحب كلماتُه العذْبةُ بشْهر الفضيلة، وتشاهد مُتلّون فنون الدراما التي تحمل الطابع الإسلاميّ، ومزيد من الدراما الاجتماعيّة التي تعزز القيم، وتحثُّ على الفضيلة، والأخلاق الحميدة، وتقدم مزيدًا من الوعْظ، والعِبْرة، ودوام العمل الطيّب الذي يبقى أثَره في الحياة، وبعد الرّحيل، وهذا في مُجْمله يؤكد مكانة الشْهَر الكريم في نفوس المصريين، ووجْدانهم على وجه الخصوص.


إنّ تبادل التهنئة مع أطْياف المجتمع المِصْريّ مُسْلميه، وأقْباطه له دلالتُه من حيْث قوة النَّسيج، ومعناه، وتقْديس الشَّعائر الدينيّة، وتهْيئة المناخ الدَّاعم لأدائها، واسْتدامتها في وسطٍ اجْتماعيّ مصْبوغٍ بالاسْتقرار، والسَّلام، بل والتَّآزرِ من أجل أن يحْيا الجميعُ دون اسْتثْناءِ حياةٍ كريمةٍ، لا يشبوها العوْزُ، ولا يكْسْوها منازلُ صعوبات، وتحدّيات الظروف؛ فالجميعُ يدٌ واحدةٌ، أفرادٌ، وجماعاتٌ، ومؤسساتٌ، وكياناتٌ؛ فلا تمْييزَ، ولا تفْرقةَ، ولا بغْضاءَ، ولا شحْناءَ؛ فرمضانُ شهْرُ التَّسَامح، والرّضا بكل مُمارساته الدينيّة، والحياتيّة.

 

والمِصْريون يعْشَقون صوْتَ مِدْفعِ رمضان، بل، وفي كل يوم من هذا الشَّهْر الفضيل يترقَّبُون سماعه؛ كي يتهيؤا لكسْر الصيام بمشْربٍ، أو مأْكلٍ بسيطٍ، ثم أداء الفريضة، والعوْدة الحميدة؛ لاسْتكمال مكونات الفِطَار، والجميع يبادر بالأدْعية التي يترَّجون من خلالها المغفرة، وتقبُّل صالح الأعمال من صيامٍ، وممارساتِ البرّ بشتّى تنوّعاتها، والجميع يأمل، ويتمنّى من الله – عزوجل- الإجابة، وينْشُدُ السَّداد في الدَّارين، وحُسْن الخاتمة.


في الطاعات لا مجال للإسراف، والتبْذير، بل البابُ مفتوحٌ على مِصْراعيه للتصدّق، وكافة أعمال البِرّ، التي تتطلّبُ العطاءَ اللاّمحْدود؛ فقد يُصَابُ المؤْمنُ بنفحةٍ إيمانيةٍ، لا يشْقى بعدها أبدًا، ورُبّ دعوةٍ تتلقّاها من ذي عَوَزِ تبْلغُ بها المُنَى؛ حيْثُ رضا المولى – عز وجل – ، وسَعَة الرِزْق، والخيْر الوفيِر، ورُبّ ذِكْرٍ تُصَابُ على إثره بمثوبةٍ تُزِيلُ عنك الهَمّ، والغَمّ ما حَييِتَ.


هُنَا أتذكرُ حديثَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم- الذي ورد في فضل دعاء الصائم، وأنه مُسْتجابٌ: ما روى الترمذي (2526) عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"، صححه الألباني، وأخرجه الترمذي.


أَهْلًا رَمَضَانُ شَهْر النَّفحات الإيْمانيّة، شهر الدُّعاء، والرَّجاء، شَهْر العبادة الخالصة لله ربّ العالمين، شَهْر قراءة القرآن الكريم، وسماعه، والإمْعانِ في معانيه، شَهْر التَّجمُّعَات الأُسَرِيّة، شَهْر الوِصَال، والتَّسَامح، شَهْر الطَّاعات، وأعمال البِرّ، شَهْر المحبّة، والتَّرَاحم، والتَّكافل، شَهْر العَطاءِ الذي لا ينْضَبُ، شَهْر الالتزام بمبادئ الشَّريعة السَّمْحة.. كل عام ومصر وشعبها وقيادتها بخير.. تقبل الله منكم ومنا صالح الأعمال.. ودي ومحبتي للجميع.

____________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس

كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة