مثلما كان الموقف المصرى حاسما ضد التهجير أو التصفية، كان الموقف السعودى أيضا منذ اللحظات الأولى، ومعهما موقف عربى كبير تمثل فى بيان وزراء الخارجية العرب فى الجامعة العربية، وفى واشنطن، وقد جاء بيان المملكة العربية السعودية انطلاقا من موقف مبدئى تجاه القضية الفلسطينية والحقوق، وبالتالى نحن أمام موقف صلب وحاسم، وأوراق ترفعها مصر والسعودية والدول العربية تؤكد أن القضية لا تقبل المساومة، وأن التلويح ليس له أى تأثير فى مواقف مبدئية حاسمة بدأت مبكرا منذ 13 أكتوبر 2023، عندما حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى من التهجير والتصفية، ومن توسيع الصراع.
ومن هنا، يمكن تفهم الموقف الذى ينطلق من الاحتلال الإسرائيلى والتصريحات غير المسؤولة وعديمة الفاعلية تجاه المملكة العربية السعودية، حول التهجير، الذى أصبح يمثل جريمة يمارسها الاحتلال.
وقد أدانت مصر بحسم - وبأشد العبارات - التصريحات غير المسؤولة والمرفوضة جملة وتفصيلا الصادرة عن الجانب الإسرائيلى، والتى تحرض ضد المملكة العربية السعودية الشقيقة، وتطالب بدولة فلسطينية بالأراضى السعودية، فى مساس مباشر بالسيادة السعودية وخرق فاضح لقواعد القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، ووصفت مصر التصريحات بـ«المتهورة»، والتى تمس بأمن المملكة وسيادتها، وأكدت أن أمن المملكة العربية السعودية الشقيقة واحترام سيادتها، هو «خط أحمر» لن تسمح مصر بالمساس به، ويعد استقرارها وأمنها القومى من صميم أمن واستقرار مصر والدول العربية، لا تهاون فيه، وشددت مصر على أن هذه التصريحات الإسرائيلية المنفلتة تجاه المملكة العربية السعودية تعد تجاوزا مستهجنا وتعديا على كل الأعراف الدبلوماسية المستقرة وافتئاتا على سيادة المملكة العربية السعودية وعلى حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، وغير القابلة للتصرف فى إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطنى فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وفقا لخطوط الرابع من يونيو 1967.
وأكدت مصر وقوفها إلى جانب المملكة العربية السعودية، بشكل كامل، ضد هذه التصريحات «المستهترة»، وتدعو المجتمع الدولى إلى إدانتها وشجبها بشكل كامل، والواقع أن الموقف الصهيونى الساذج ينطلق من غرور غير مبرر، ويصطدم مع الدول العربية الكبرى التى تمثل ميزان التوازن فى المنطقة، بجانب أنها تمتلك من الإرادة والأوراق ما يجعلها قادرة على مواجهة مخططات الاحتلال، وعندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى، عن رفض تام لتهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة، كان ينطلق من موقف مصرى واضح، وحاسم، بل إن مصر انتبهت مبكرا لمخططات التهجير، عندما كانت مجرد إشارات يتم دسها فى التصريحات الإسرائيلية، وسعى نتنياهو إلى تطبيق مخطط «حقل الأشواك» فى غزة، واستخدم منصات معادية لتنظيم الإخوان اعتادت ترويج الشائعات، زعمت فى البداية أن مصر تغلق المعبر، ثم روجت لوجود اتفاقات حول التهجير، وكلها كشفت عن تحالف تنظيم خصوم مصر بالخارج مع الاحتلال، لأنها تحمى إرادة الشعب الفلسطينى، الذى صمد فى وجه تلك المخططات رغم جرائم الحرب والإبادة التى تعرض لها من قوات الاحتلال.
مصر كانت واضحة وحاسمة فى مواجهة بعض التلويح الأمريكى، وتتعامل بندية واضحة ولا تخضع للضغوط منذ بداية الأزمة، بل إنها قدمت الحل، بأنه لا بديل حل الدولتين، وأن مصر مستعدة لإعادة الإعمار من دون تهجير سكان غزة، وسعت لتدفق المساعدات، وعملت مع الأشقاء لتأكيد مواقف عربية حاسمة ضد التهجير، وهو ما أشعل العداء وحملات الهجوم ضد مصر والسعودية والإمارات من منصات الإخوان ومواقعهم بالخارج.
كان الموقف المصرى والأردنى والسعودى والإماراتى والعربى كله ضد التهجير، ويحمل تلويحا واضحا بأن هذه الدول تمتلك أوراقا مهمة، وأنها - بقياداتها - تحمل الاستقلال وتحمل القضية الفلسطينية مع مصر، وترى الحل هو إقامة دولة فلسطينية بحقوق تاريخية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الموقف الذى تدعمه أغلب دول العالم، والمنظمات الدولية التى تعاديها الولايات المتحدة، لدرجة أن دونالد ترامب يعلن معاقبة المحكمة الجنائية الدولية وينسحب من اتفاقيات ومنظمات «إنسانية» إمعانا فى الهجوم.
وخلال الأيام الأخيرة، وبتوجيهات الرئيس أجرى وزير الخارجية بدر عبدالعاطى اتصالات مكثفة مع عدد من وزراء الخارجية العرب فى إطار تنسيق المواقف العربية والتشاور بشأن مستجدات القضية الفلسطينية والأوضاع الكارثية فى قطاع غزة والضفة الغربية، شملت اتصالات مع وزراء خارجية «السعودية، والإمارات، والكويت وسلطنة عمان، والبحرين (الرئيس الحالى للقمة العربية)، والأردن والعراق، والجزائر، وتونس، وموريتانيا، والسودان»، وتم خلالها تبادل الرؤى حول تطورات أوضاع القضية الفلسطينية، والتأكيد على ثوابت الموقف العربى إزاء القضية الفلسطينية، الرافض لأية إجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، أو تشجيع نقلهم إلى دول أخرى خارج الأراضى الفلسطينية، على ضوء ما تمثله هذه التصورات والأفكار من انتهاك صارخ للقانون الدولى، وتعديا على الحقوق الفلسطينية وتهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة وتقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها، وإجماعا على ضرورة السعى نحو التوصل لحل سياسى دائم وعادل للقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع تباحث حول جهود مصر الرامية لضمان استدامة اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة وتنفيذ كل بنوده بمراحله الزمنية الثلاث، ونفاذ المساعدات الإنسانية بوتيرة متسارعة، والسعى للمضى قُدما فى مشروعات إعادة الإعمار مع الاتفاق على استمرار التواصل، وقد أصبح الموقف العربى حاسما وقويا فى مواجهة مخططات الإجرام.

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة