بيشوى رمزى

ترامب ونظرية "النفوذ".. صفقات "البيع والشراء" بديلا للغزو

الأحد، 09 فبراير 2025 01:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

اعتمدت نظرية النفوذ لدى الولايات المتحدة، منذ بزوغ نجمها كقوى دولية كبرى، بأهمية التواجد العسكري، في مختلف مناطق العالم، بحيث يمكنها تقديم الحماية للحلفاء، عبر بناء القواعد العسكرية، وبناء التحالفات العسكرية، على غرار الناتو، أو إخضاع الخصوم، كما هو الحال في العديد من مشاهد الحروب التي خاضتها واشنطن، خلال العقود الماضية، بدءً من فيتنام، مرورا بالعراق وأفغانستان، وحتى سوريا واليمن وغيرهما، في إطار فرض رؤيتها، وهو الأمر الذي وضعها في بؤرة الأحداث، ويسمح لها بالسيطرة على وتيرة الصراعات، صعودا وهبوطا بحسب مصالحها، وليس في واقع الأمر حلها، حيث أن تصفير الأزمات ربما لا يصب في صالح القيادة الأمريكية الأحادية للعالم، وهو ما أثبتته العديد من التجارب خاصة في منطقة الشرق الأوسط.

ولعل الحديث عن الوجود العسكري الأمريكي، سواء في صورة الغزو العسكري، أو في إطار التحالفات الناعمة، لم يعد يلقى بالكثير من القبول، في ضوء الخسائر الفادحة التي تلقتها الولايات المتحدة، على مدار عقود طويلة من الزمن، سواء فيما يتعلق بالمليارات التي تكبدتها، أو آلاف الأرواح التي أزهقت، وهو ما أثار امتعاضا داخليا من جانب، ناهيك عن كونها نالت إلى حد كبير من صورة أمريكا، في ظل تواتر الفشل في تحقيق الأهداف التي طالما أعلنتها، كنشر الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، وغيرها، من جانب آخر، وهو ما يفسر سلسلة من الانسحابات العسكرية التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترته الأولى، واعتماده على عمليات نوعية، يستهدف بها خصومه، على غرار زعيم داعش أبو بكر البغدادي، أو نجل زعيم القاعدة حمزة بن لادن، أو حتى من الساسة، كقائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني.

إلا أن التجربة ربما أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الوجود الأمريكي على الأرض، خاصة في مناطق الصراع، بات ضرورة ملحة، وهو ما دفع الرئيس ترامب إلى البحث عن صيغة جديدة، تتجسد في صفقات "البيع والشراء"، لتكون بديلا عن الغزو العسكري، وهو ما بدا متدرجا عبر الحديث أولا عن محيط أمريكا الجغرافي، في إطار ضم كندا لتكون الولاية الـ51 بالولايات المتحدة، ثم انتقل إلى منطقة بعيدة جغرافيا، بينما تقع في صفوف الحلفاء، من خلال عرضه لشراء جزيرة جرينلاند الدنماركية، ثم امتدت الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك عبر الحديث عن ضم غزة، في إطار عملية إعادة الإعمار، وتحويلها إلى منتجع كبير، على حد وصف الرئيس الأمريكي، وهو الأمر الذي يصب في صالح إسرائيل، والتي تسعى إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع منذ بدء عملياتها العسكرية.

وفي الواقع حديث ترامب عن غزة، لا يمكن النظر إليه بأي حال من الأحوال، منفصلا عن أحاديثه السابقة، سالفة الذكر، فهي تعكس محاولة لاستعادة زخم الوجود الأمريكي بصورة أكبر مما كانت عليه، عبر أراض تبقى مملوكة لها، وخاضعة لسيادتها، مما يساهم بصورة أو بأخرى في التداخل المباشر مع كافة المستجدات، خاصة بعدما تراجع النفوذ الأمريكي في مناطق كانت تمثل ثقلا رئيسيا في إطار قيادتها الدولية للعالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما بدا في الأشهر الماضية، عندما فشلت واشنطن في الانتصار لحليفتها، في ظل اعترافات متواترة بالدولة الفلسطينية، حتى بين صفوف حلفائها، وملاحقات قضائية، بينما لم تنجح على الجانب الآخر في ترويض حليفتها المدللة (إسرائيل) وإجبارها على الرضوخ لوقف إطلاق النار، لشهور طويلة، والتي لم تتحقق سوى في ليلة تنصيب الرئيس الجديد القديم.

صيغة "البيع والشراء"، وما يتخللها من عقود وتنازلات، تمثل طرحا غير مسبوق في العلاقات الدولية، في ظل مبدأ سيادة الدولة، حيث يمثل في أحد مساراته إخلالا بالوحدة الجغرافية للدولة، بينما في مسار آخر، يعيد إلى الواجهة الحقبة الاستعمارية، عندما كانت الامبراطوريات الأوروبية لها فروع بعيدة عن مركز الحكم، وهو ما يترجم اللقب الذي رافق المملكة المتحدة لعقود طويلة "المملكة التي لا تغيب عنها الشمس"، جراء تناثر مستعمراتها في الكرة الأرضية، في حين أنه يمثل في مسار ثالث محاولة لانتزاع سيادة الدول عبر الاستيلاء على أراضيها، تحت مظلة "الصفقات التجارية"

وإذا ما نظرنا إلى ملف غزة تحديدا، باعتبارها الأكثر أهمية بالنسبة لنا، نجد أن ثمة أبعاد أخري، ربما أبرزها استحداث وسائل ناعمة، لتحقيق الأهداف الأمريكية، ومن ورائها مصالح إسرائيل، بعيدا عن سياسات الغزو، والتي طالما وضعت واشنطن في حرج مزدوج، أمام الرأي العام الداخلي، على خلفية أوضاع اقتصادية صعبة، ترتبت على الحروب المتواترة من جانب، أو أمام العالم، بسبب فشلها في تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية من جانب آخر، حيث يرى ترامب أن البعد التنموي يمكن أن يكون مدخلا للسيطرة، عبر الاستحواذ المطلق على الأرض وبالتالي تهجير الفلسطينيين، مقابل إعادة الإعمار، وهو الأمر الذي تصدت له مصر بقوة، ومن ورائها القوى الإقليمية المؤثرة، لتدفع البيت الأبيض إلى مراجعة رؤيته مجددا.

وهنا يمكننا القول بأن صفقات "البيع والشراء" التي تبناها ترامب تجاه العديد من المناطق العالم، تعد مدخلا جديدا للوجود الأمريكي، بينما تستبدل صورة الغزو العسكري، بصور أخرى، تحت مظلة التنمية، خاصة مع تراجع نفوذ واشنطن في السنوات الأخيرة، وصعود قوى جديدة، بات بإمكانها تحدي الهيمنة الأمريكية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة