فى واحدة من عروضه الكوميدية الشيقة استطاع صانع المحتوى والممثل المصرى أحمد أمين أن يقف على واحدة من عاداتنا التى تشيع دون نظر إلى دلائلها بصورة عميقة، حين أشار إلى طريقة تنظيف البيت عند استقبال الضيوف، وأشار بشكل ساخر إلى كيفية تنظيف كل ما هو ظاهر فى البيت دون العمل على تنظيف حقيقى حين أشار إلى جمع التراب تحت السجادة، حين المحاولة المسرعة لإعداد المنزل لاستقبال الضيوف.
ربما تكون تلك الإشارة الساخرة مدخلا لتحليل ثقافى يبدو على قدر من الأهمية حين النظر إلى فكرة الاعتبار الأهم للشكل دون العمل على تحقيق الهدف الأصلى للأشياء، وربما تكون تلك الفكرة نفسها التى عبر عنها صديقى المفكر الكبير الدكتور أيمن بكر صاحب الأبحاث المهمة فى مجال الدراسات الثقافية والمعروف خارج مصر فى أوساط علمية معتبرة ومتعددة، فى الوقت الذى لم تتم معرفته داخل مصر بالقدر الكافى.
وللدكتور أيمن بكر فى ذلك الشأن عبارة هو صاحب براءة اختراعها، هى العبارة التى يمكنها أن تصف فى صورة علمية واضحة ما أشار إليه أحمد أمين حين أشار فى عدة مواضع من مؤلفاته إلى ما أسماه "سياسات الطلاء"، وهى العبارة التى قصد بها تلك الإجراءات التى يقوم بها أحد ما من أجل إثبات عمله دون وصول هذا العمل إلى هدفه المنشود، كأن يقوم أحدهم بالعمل على تجديد مبنى منزله فيقتصر عمله على دهان واجهة البيت دون أن يقوم بعمل أى تجديد داخلى أو صيانة حقيقية له.
وفى الحقيقة فإن الوعى الشعبى المصرى كان على قدر كبير من العمق حين أشار إلى عبارات أخرى قد تعبر أو تتكامل مع ذلك المعنى حين أشار إلى العمل "سد خانة" أو "برو العتب"، وهى كلها عبارات تشير إلى الوقوف مليا حيال تلك الإجراءات التى تستهدف إثبات الحضور أو على أقصى تقدير إثبات الالتزام بعمل ما دون النظر إلى مردوه الأساسى وهى العيوب التى يجب علينا الوقوف حيالها فهى لا تعيق التقدم والتطور فقط لكنها تقوم بعمل خادع قد يسير بحركة أى وعى وأى عمل عكس الهدف الأساسى الذى وضع له.
دائما ما أتذكر هذه العبارات حين أنظر إلى ما يجب أن نقوم به وما توجه به السياسات العامة من ناحية وبين ما يقوم به بعضنا من ادعاء العمل وادعاء تحقيق النجاح، بما يعنى أنه "كله تمام يا أفندم"، وهو أحد العيوب التى تستدعى المراجعة والضبط وقياس الأهداف الحقيقية ومدى تحققها وضبط البيانات وانضباطها حسب الواقع، ولا أغالى إذا قلت إن هذه المراجعات ستكون الضمان الأصلى والأساسى لتحقيق التقدم الذى نستهدفه جميعا لمجتمعنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة