يُعد الصوم في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نافذة روحية للتجديد والتوبة، إذ تتنوع الأصوام في معانيها وأهدافها، لكن جميعها تسعى إلى تحقيق الغاية الأسمى الاقتراب من الله والتأمل في معاني الفداء والخلاص.
في شهر فبراير من عام 2025، يأتي صومان يحملان دلالات روحية عميقة وحكمة كامنة وراء كلا منهما، هما صوم يونان والصوم الكبير، إذ يمثل الأول نموذجًا للتوبة السريعة، بينما يُعتبر الثاني رحلة طويلة من الجهاد الروحي والتهيئة لعيد القيامة المجيد. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير في مدتهما، فإن الصومين يجتمعان في جوهرهما على دعوة الإنسان إلى التوبة والتأمل في رحمة الله، وقدرة الصوم والصلاة على تغيير الحياة.
صوم يونان
يعتبر صوم يونان في حكم أصوام المرتبة الأولي، فيصام انقطاعيًا صومًا نسكيًا إلي ساعة متأخرة، ولا يأكلون فيه السمك، مثله في ذلك مثل الصوم الأربعيني، والأربعاء والجمعة وأسبوع الآلام، وبرمون عيديّ الميلاد والغطاس المجيدين، كما يتميز بعمقه الروحي ورسالته المرتبطة بالتوبة. يبدأ صوم يونان لعام 2025، في يوم الإثنين الموافق 10 فبراير، ويستمر لمدة ثلاثة أيام، لينتهي يوم الأربعاء 12 فبراير. يُعرف هذا الصوم أيضًا بـ"صوم أهل نينوى"، ويُحيي ذكرى توبة أهل نينوى استجابةً لدعوة النبي يونان.
يُعتبر هذا الصوم رمزًا للتوبة والرجوع إلى الله. ويُطلق عليه أحيانًا "فصح يونان" نظرًا لارتباطه الرمزي بقيامة المسيح بعد ثلاثة أيام في القبر. فكما حمل الحوت يونان، وكان حيًا في الحوت علي الرغم من أنه في حكم الميت، فكان الحوت ليونان بمثابة القبر للمسيح، وكما خرج يونان النبي حيًا بعد أن ابتلعه الحوت ثلاث أيام وثلاث ليال، خرج المسيح من القبر حيا بعد أن ذاق الموت بالجسد، وهو يسبق عادة الصوم الكبير بخمسة عشر يومًا، ويعرف (فطر) صوم يونان بـ(فصح يونان)، وهو اصطلاح كنسي فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد الذي يطلق عليه أيضا (عيد الفصح) مما يدل علي أن الكنيسة تنظر إلي قصة يونان علي أنها رمز لقصة المسيح، والفصح كلمة عبرانية معناها (العبور).
الصوم الكبير
يُمثل الصوم الكبير في الكنيسة الأرثوذكسية، أقدس الأصوام وأطولها، إذ يحمل في طياته أبعادًا روحانية فريدة، فهو رحلة طويلة تبدأ بأحد الكنوز وتنتهي بأحد القيامة، يبدأ الصوم يوم الإثنين الموافق 24 فبراير ويمتد الصوم لمدة 55 يومًا، حتى الاحتفال بعيد القيامة يوم الأحد الموافق 20 أبريل.
يشمل الصوم الكبير على ثلاثة أصوام، هما الأربعين المقدسة في الوسط، يسبقها أسبوع أما أن يعتبر تمهيد للأربعين المقدسة، أو تعويضيًا عن أيام السبوت التي لا يجوز فيها الانقطاع عن الطعام، يعقب ذلك أسبوع الآلام. وكان في بداية العصر الرسولي صومًا قائمًا بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير.
قسمت الكنيسة الصوم الكبير إلى 7 أسابيع، يبدأ كل منها يوم الإثنين وينتهي يوم الأحد، وجعلت لأيام كل أسبوع قراءات خاصة ترتبط بعضها البعض ويتألف منها موضوع عام واحد هو موضوع الأسبوع. موضوعات الأسابيع الـ7 هي عناصر لموضوع واحد أعم هو الذي تدور حوله قراءات الصوم الكبير كلها وهو "قبول للتائبين":
1- الأحد الأول يدعى أحد الكنوز أو الهداية إلى ملكوت الله: فيه تبدأ الكنيسة بتحويل أنظار أبنائها عن عبادة المال إلى عبادة الله وإلى أن يكنزوا كنوزهم في السماء.
2 - الأحد الثاني أحد التجربة: تعلم فيه الكنيسة كيفية الانتصار على إبليس على مثال يسوع الذي انتصر عليه بانتصاره على العثرات الثلاث التي يحارب بها وهي الأكل (شهوة الجسد) والمقتنيات (شهوة العيون) والمجد الباطل (شهوة تعظم المعيشة).
3 - الأحد الثالث أحد الابن الشاطر: فيه يرى كيف يتحنن الله ويقبل الخاطئ على مثال الابن الضال الذي عاد إلى أبيه.
4 - الأحد الرابع أحد السامرية: يشير إلى تسليح الخاطئ بكلمة الله.
5 - الأحد الخامس أحد المخلع: يرمز إلى الخاطئ الذي هدته الخطيئة وقد شدده المخلص وشفاه.
6 - الأحد السادس أحد التناصر: فيه تفتيح عيني الأعمى رمزاً إلى الاستنارة بالمعمودية.
7 - الأحد السابع أحد الشعانين: فيه تستقبل الكنيسة السيد المسيح ملكاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة