أحمد طنطاوى

الرواية المصرية الجديدة (1ـ 3)

الأربعاء، 05 فبراير 2025 01:29 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الرواية فن "يحاول أن يقدم الإنسان إلى نفسه"، على حد تعبير الناقد أحمد مدنى، عرفه الأدب العربى مع صدور "زينت" لـ"محمد حسين هيكل" عام 1913 ـ رغم أن بعض النقاد يعودون بهذا التاريخ إلى الوراء قليلا ـ وذلك بعد تخليص هذا الشكل السردى من مضامين الرواية التعليمية والوعظية ـ التى عرفها العرب على يد "رفاعة الطهطاوى"، هنا بدأ الأدب العربى يحتذى المذاهب الغربية، ببنيتها النثرية الفنية، التى احتوت الحياة بكل مضامينها وخلفيّاتها العلميّة والفكرية والفنية، بيد أن هذا الاحتذاء لم يسلم فى بداية النشأة (جيل الرواد) من عيوب عدة، لعل أبرزها: الحشو، والتفكيك، والإفراط فى الوصف، والمباشرة فى الأفكار، والوعظ والاستطراد، والمبالغة فى التصوير، وتقسيم الشخصيات إلى أبيض وأسود، والإنماء القسرى للعمل بتلفيق الأحداث أو التدخل الفج فى توجيهها، وغير ذلك من مظاهر التعثّر التى رصدها نقاد تلك الفترة، وأشار إليها د. طه وادى فى كتابه: مدخل إلى تاريخ الرواية المصرية.
    وسط هذه المحاولات المتعثرة فى جانب والناهضة فى آخر، جاء "نجيب محفوظ" (1911 ـ 2006) لتدخل الرواية على يديه عصر النضج بالعفوية السردية، وأمانة التصوير، التى تغوص فى أعماق الشخصية بالشكل الكاشف عن دوافع السلوك، وكذلك التمكن من اللغة تمكنا يتيح للقارئ التنقل بين مستوياتها بنعومة. مقدما متحفا كبيرا من الشخصيات العملاقة التى أصبحت كشخصيات شكسبير محفورة فى ذاكرة القارئ، وبالقدرة البارعة على تصوير مئات المواقف المتغايرة، وبالإحاطة الواسعة بآليات القص وأساليبه الفنية، من خلال مستويات بدأت بالرواية التاريخية ثم الاجتماعية وأخيرا الواقعية الجديدة كما يقول أحمد كمال زكى فى مقال بعنوان: يوسف الشارونى ناقدا.
بذلك لعب "نجيب محفوظ" دورًا لا يقل أهمية عن دور كبار الروائيين فى الغرب، ثم تلاه جيل "ما بعد نجيب محفوظ"، الذى استفاد من التقنيات الحديثة للسرد دون أن يحاول الاستفادة من الفكر الجديد الذى طبع الرواية الغربية بطابع فصلها عن المجتمع، وغرّبها عن قرّائها العاديين الذين يبحثون فيها عن الشخصية الجدلية المثيرة للتأمل، لاستكشاف دواخل النفس الإنسانية أو للتسلية، فتجدد شباب الرواية، وظهرت أعمال قوية أشار لها محمد ناجى فى مقاله: صنعة قلق.. صنعة صدق، مثل "الجبل" (1962) لـ"فتحى غانم" (1924ـ 1999)، التى زودت الرواية العربية بتقنية الشهود، ثم اللغة الفلكلورية الرائعة لـ"عبد الرحمن الشرقاوى" (1920ـ 1987) فى "الأرض" عام (1954)، وتأريخها للحياة الريفية المصرية بشخوص مقنعة، كما تميّز "يوسف إدريس" (1927ـ 1991) ببراعة ومنطقية التصوير كما فى عمله "الحرام" (1958).
    على أن هذا التقرير لا يعنى إغفال الجهد الضخم الذى قام به الرواد من معاصرى "نجيب محفوظ"، وكان من هؤلاء: "طه حسين" (1889ـ 1973)، و"محمد فريد أبو حديد" (1893ـ 1967)، و"محمود جودة السحار" (1913ـ 1974)، و"توفيق الحكيم" (1898ـ 1987) وغيرهم، لكن جهودهم لم تكن تطويرا للفن الروائى بقدر ما كانت توطينًا له، كما يرى ـ ونرى ـ د. حمدى السكوت فى ببليوجرافياه الشهيرة عن الرواية العربية الحديثة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة