دندراوى الهوارى

«النيل» إله عند الفراعنة.. خلق نفسه بنفسه.. منح الحياة لروح المصرى «الكا» 

الثلاثاء، 04 فبراير 2025 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نهر النيل، يجرى فى مجراه الحالى منذ أن خلق الله الكون، وسيجرى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويمثل للمصريين قدسية خاصة، وجعلوا منه  القدماء الأولين إله «حابى» يمنح الحياة، ويأتى بفيضانات الخير والنعم. وهناك ترنيمة «فرعونية» تتغنى بإله النيل ونصها: «حابى.. أبوالآلهة.. يغذى ويطعم ويجلب المئونة لمصر كلها، ويهب كل فرد الحياة فى اسم قرينه «الكا» ويأتى الخير فى طريقه والغذاء عن بنانه، ويجلب مجيئه البهجة لكل إنسان.. إنك فريد، أنت الذى خلقت نفسك من نفسك، دون أن يعرف أى فرد جوهرك».

وتمجيدا وإجلالا للنيل «حابى»، فقد نحت المصرى القديم تماثيل ضخمة له، منها التمثال العملاق من الجرانيت، يجسد فيضان النيل، ويزن ما يقرب من ستة أطنان ويبلغ طوله 5.4 متر، وموجود فى قلب المتحف البريطانى.

ومن بريطانيا إلى إيطاليا، وتحديدا متحف الفاتيكان بروما، حيث يضم تمثالا رائعا يحمل اسم النيل، على شكل رجل جالس يحيط به 16 طفلا، وانقسم المؤرخون لتفسير وجودهم إلى فريقين، الأول يفسر هذا العدد بأنهم  يمثلون 16 مقاطعة، قوام مصر قديما، بينما الفريق الثانى يرى أنهم يمثلون 16 ذراعا وهو عمق النيل.
إجلال واحترام المصريين للنيل كان عظيما، فاعتبروه إلها ابن الإله رع، أى أنه ابن أعظم الآلهة المصرية القديمة، ويقترب هذا المعنى مما عُثر عليه فى إحدى البرديات التى تقول نصا: «إنك أيها الراحل فى مقام الخلود، سيفيض عليك النيل فى مضجعك الأخير أثرًا من بركاته، لأن ماءَه آتٍ من أسوان».

ولأهمية قدسية النيل، فإن المصرى القديم قد شحذ الهمم، وتسلح بفعل الخير فى تعامله معه، حتى لا يٌحاسب حسابا عسيرا فى الحياة الأخرى بعد الموت، فقد أكد فى اعترافاته الإنكارية فى العالم الآخر، وحسبما ورد فى الفصل 125 من «كتاب الموتى» ترجمة العالم الفرنسى بول بارجيه، أن المصرى القديم يدافع عن نفسه يوم الحساب قائلا: لم أمنع الماء فى موسمه، لم أقم عائقا «سدا» أمام الماء المتدفق.

وفى نص مشابه على جدران مقبرة «حرخوف» فى أسوان، عدّد صفاته أمام الإله من بينها «أنا لم ألوث ماء النهر.. لم أمنع الفيضان فى موسمه.. لم أقم سدا للماء الجارى.. أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى». ومن لا يعرف، فإن حرخوف كان حاكم إلفنتين ورئيس الحملات الملكية، وقد سجل نصوصا فى مقبرته، تسرد عدد رحلاته الاستكشافية والتجارية إلى الجنوب ذاكرًا العديد من الطرق ومنها «درب الواحات / درب الأربعين»، كما أورد تفاصيل رحلته التجارية إلى بلاد بونت «الصومال حاليا».

الأمر لم يقف عند حد تقديس المصريين القدماء للنيل، وإنما استمر فى عبر عصور التاريخ المختلفة، وحتى الآن، ففى القرن الخامس قبل الميلاد، جاء ذكره على لسان المؤرخ اليونانى الأشهر، هيرودوت الذى قال: «مصر هبة النيل».

وفى العصر الإسلامى، فإن هناك حديثا نبويا تحدث عن النيل، فعن الإمام أحمد قال: حدثنا ابن نمير، ويزيد، أنبأنا محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فجرت أربعة أنهار من الجنة: الفرات، والنيل، وسيحان، وجيحان»، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
ومن أبرز عوامل أهمية النيل، أنه يختلف عن كل أنهار الدنيا فى السير، حيث يتحرك من الجنوب ليصب فى الشمال، بينما كل أنهار العالم تتحرك من الشمال لتصب فى الجنوب، وهى أية لو تعلمون دلالتها وعبرتها وأهميتها.

الشاهد من هذا السرد المختصر للغاية، أن النيل وجوده مقترن بوجود الكون، وبما أن مصر ملتصق وجودها بوجه الكون، فإنه غير خاضع لمساومات، أو ابتزاز، وسيجرى النيل متدفقا بين ضفتيه من الجنوب للشمال، دون توقف.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة