مرت خمسون عامًا على غيابها، ولكنها لم تبتعد أبدًا، أم كلثوم، التي كانت وما تزال صوتًا يكتنفه السحر ويخترق حواسنا كما خيوط الضوء في العتمة، ذكرى رحيلها ليست مجرد يومٍ في التقويم، بل هي لحظة من الزمن لا تنقضي، تتكرر كلما لامسنا أوتار الروح بأغانيها.
عندما تُذكر أم كلثوم، يتبادر إلى الذهن تلك الصورة التي لا تنمحي: وجهها الوضّاء كالقمر، وعينها التي كانت تحمل في نظرتها نضج العالم كله، هي التي علمتنا كيف يكون الصوت سلطة، كيف يكون اللحن مرآة للروح، ما من لحنٍ أو كلمة في أغانيها إلا كانت أكثر من مجرد ألحان وكلمات، بل كانت أبعادًا من الحياة تفيض بالحب، الألم، الفرح، والوجع.
عبر خمسين عامًا من الغياب، لم تخفُ شمسها، بل ظلت تسطع في سماء الأغنية العربية، تصدح مع كل صباح وكل مساء، في قلبها تكمن الذاكرة الشعبية، وفي صوتها تردد الأصوات التي تتحدث عن الإنسان بكل تفاصيله، كأنها ارتبطت بروح الأمة، تنبض مع نبضها، تعيش داخلها وتعيش معها.
لا يُمكن لأحد أن ينسى كيف كانت أم كلثوم تجيد أن تعزف على أوتار الحروف والأحاسيس، تغني فتلتهب المشاعر، وتخمد فتشعل المدى، كأنها الشوق ذاته يرقص على أنغامها، هي "إنتِ عمري"، و"الأطلال"، و"فكروني"، كل واحدة منها قصيدة مفقودة من الزمن، عُثر عليها في صوتها لتصبح جزءًا من حياتنا اليومية.
وحتى اليوم، تظل "كوكب الشرق" على عرش الأغنية، تلهم الشعراء والفنانين، وتبقى صوتًا خالدًا في ذاكرة الأجيال القادمة، الذين سيشعرون دائمًا أن هناك نغمة أخرى تُدندن في عيونهم، تُعيدهم إلى زمن كان في كل لحظة يُشعل فيه الحلم.
في الذكرى الخمسين لرحيلها، نستحضر أم كلثوم، تلك الأنشودة التي لا تنتهي، والنغمة التي لا تبلى."
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة