إلهامى المليجي

عبد الله أوجلان.. بين إرث النضال ورؤية السلام

الجمعة، 28 فبراير 2025 02:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لطالما كان عبد الله أوجلان شخصية إشكالية فى التاريخ السياسى الحديث للشرق الأوسط.

فمنذ تأسيس حزب العمال الكردستانى فى سبعينيات القرن الماضي، لم يكن الحزب مجرد حركة مسلحة، بل كان تجسيدًا لصراع طويل بين الهوية القومية الكردية والمنظومة القومية المركزية فى تركيا. انطلقت الحركة فى البداية من رؤية ماركسية قومية، متأثرة بالتحولات العالمية فى الفكر الاشتراكى والتحرري، لكنها شهدت تحولات فكرية عميقة مع مرور العقود. واليوم، وبعد ربع قرن من الأسر والعزلة، يفاجئ القائد الكردى العالم برسالة غير مسبوقة، يدعو فيها إلى نزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني، ما يثير تساؤلات جوهرية حول دوافع هذه الخطوة وأبعادها السياسية، ومدى واقعيتها فى ظل المشهد المتغير.

التحول الفكرى لعبد الله أوجلان

فى رسالته الأخيرة، أعاد أوجلان تعريف مسار القضية الكردية، محاولًا إخراجها من دائرة الصراع المسلح نحو أفق سياسى ديمقراطي. لم يكن هذا التحول وليد اللحظة، بل جاء نتيجة نقد ذاتى طويل، بدأ منذ اعتقاله عام 1999، حيث بدأ فى مراجعة الفكر القومى التقليدي، متجهًا نحو رؤية تجاوز القومية الضيقة إلى نموذج "الأمة الديمقراطية".

شكلت عزلة أوجلان القسرية مختبرًا فكريًا لإعادة النظر فى أدوات النضال الكردي، حيث تخلّى تدريجيًا عن فكرة إقامة دولة قومية كردية مستقلة لصالح مشروع أوسع يتبنى الديمقراطية التشاركية والحكم الذاتى ضمن الدول القومية. هذه الفكرة، التى استلهمها من التجارب السياسية الحديثة، ترى أن تحقيق الحقوق الكردية لا يكون عبر الانفصال بقدر ما يكون عبر إعادة هيكلة الدولة الوطنية بطريقة تضمن المشاركة العادلة لجميع المكونات.
أوجلان لم يتبنَّ هذا الطرح كرد فعل على العزلة فقط، بل لأنه أدرك أن الصراع الكردى لا يمكن حصره فى بعد قومى ضيق، بل هو جزء من إشكالية أعمق تتعلق بالسلطوية وغياب الديمقراطية فى الشرق الأوسط. ولذلك، فإن رؤيته الجديدة تدعو إلى تجاوز صراع "الدولة ضد الأكراد"، إلى إطار يعالج مشكلة الدولة نفسها، ويطرح بديلًا ديمقراطيًا يقوم على الإدارة الذاتية والاعتراف بالهويات المتعددة.
ما يميز الطرح الجديد لأوجلان هو أنه لم يعد يقتصر على الحقوق الكردية كقضية منفصلة، بل يتعامل مع المسألة الكردية كجزء من نضال أشمل ضد أنظمة الاستبداد فى الشرق الأوسط، بحيث تصبح الحرية الكردية متداخلة مع حرية كافة الشعوب والمكونات الإثنية الأخرى فى المنطقة.

خطوة تكتيكية أم مراجعة استراتيجية؟

إعلان أوجلان دعوته لحل حزب العمال الكردستانى وإلقاء السلاح يثير تساؤلات حول خلفيات هذا القرار. فهل هو تحول فكرى جذرى أم نتاج لضغوط سياسية داخلية وخارجية؟
سياقات نزع السلاح
من الناحية السياسية، لا يمكن فصل هذه الدعوة عن:
1- التغيرات فى المشهد التركي: إذ تسعى أنقرة إلى إعادة رسم علاقتها مع القوى الكردية فى الداخل والخارج، فى ظل التوازنات الإقليمية المتغيرة.
2- التطورات فى العراق وسوريا: حيث أصبحت المناطق الكردية فى كلا البلدين مساحات تنافس بين القوى الإقليمية، ما يجعل أى حل سياسى يحتاج إلى إعادة تموضع جذري.
3- الضغوط الدولية: إذ يواجه حزب العمال الكردستانى تصنيفًا إرهابيًا فى العديد من الدول، مما يجعل استمرار نهجه المسلح عبئًا سياسيًا.

شروط أوجلان لنزع السلاح

لكن هل يمكن أن تتحقق دعوة نزع السلاح فعليًا دون أن يكون هناك اعتراف سياسى بالحقوق الكردية فى تركيا؟ هذا هو التحدى الأساسى الذى يطرحه أوجلان ضمنيًا، إذ يرى أن نزع السلاح يجب أن يكون مقابل فتح الفضاء السياسى الديمقراطى أمام الأكراد. وقد أكد ذلك عبر النقاط التالية:
1- الاعتراف بالهوية الكردية كجزء من التعددية الثقافية فى تركيا.
2- فتح المجال السياسى للأحزاب الكردية دون قيود أمنية.
3- ضمان حماية الحقوق المدنية والاجتماعية للأكراد داخل الدولة التركية.
4- إيجاد آلية دستورية للحكم الذاتى المحلى فى المناطق الكردية.

بداية جديدة أم نهاية مرحلة؟

إن نزع السلاح ليس مجرد قرار عسكري، بل هو تحول استراتيجى فى طبيعة النضال السياسي. فإذا لم يُقابل بخطوات فعلية من الحكومة التركية تجاه الأكراد، فقد يتحول إلى مناورة سياسية أكثر منه عملية إصلاحية حقيقية. من هنا، يصبح السؤال الأهم: هل ستلتزم أنقرة بالاعتراف بهذه الحقوق، أم أن هذه الدعوة ستواجه بتجاهل سياسى كما حدث مع مبادرات السلام السابقة؟

ضرورة أم خيار سياسي؟

بعد أكثر من 25 عامًا فى العزلة داخل سجن إمرالي، لا يمكن التعامل مع أوجلان كشخصية هامشية، بل هو لا يزال المفتاح الأساسى لأى حل سياسى للقضية الكردية. وبالتالي، فإن بقاءه فى السجن يعرقل أى مسار جاد نحو الحل، إذ سيظل مصير القضية الكردية معلقًا طالما بقى قائدها التاريخى قابعًا خلف القضبان.
إن إطلاق سراح أوجلان ليس مجرد مطالبة إنسانية أو حقوقية، بل هو خطوة سياسية ضرورية لضمان نجاح عملية السلام. كما أن الاعتراف بدوره الفكرى والسياسى سيساهم فى إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة التركية والمكونات الكردية، عبر فتح قنوات حوار حقيقية بدلاً من الاستمرار فى دائرة الصراع المسلح.

هل بدأ عصر جديد للقضية الكردية؟

تضع رسالة أوجلان القضية الكردية على مفترق طرق، فإما أن تُؤخذ على محمل الجد كفرصة تاريخية للتحول الديمقراطي، أو أن تُهدر كما حدث مع مبادرات السلام السابقة، ليبقى الصراع مفتوحًا على مزيد من التعقيد والتشرذم. إن التحول من الكفاح المسلح إلى النضال الديمقراطى ليس مسألة سهلة، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، وعلى رأسها الدولة التركية.

إن إطلاق سراح أوجلان لم يعد مسألة تخص الأكراد وحدهم، بل هو محور أساسى فى تحقيق الاستقرار الإقليمي، فالإبقاء عليه فى السجن هو بمثابة تكريس لدورة الصراع، بينما يمكن أن يكون الإفراج عنه مدخلًا لحل سياسى شامل، يعيد تعريف العلاقة بين الدولة التركية ومكوناتها، ويضع حدًا لسنوات طويلة من العنف والاقتتال.

هل ستلتقط تركيا والقوى الإقليمية هذه الفرصة النادرة، أم ستبقى رسالة أوجلان مجرد صدى فى الفراغ السياسي؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة