رمضان، شهرٌ لا يتوقف عن العطاء، شهرٌ يمدنا بفرصة ثمينة لنصوم عن أكثر من مجرد الطعام والشراب، هو شهرٌ يتسع لنداء الروح، فالصوم فيه ليس عن المأكولات والمشروبات فحسب، بل هو صوم عن القسوة، عن الجفاء، عن الكلمات الجارحة التي تترك آثارًا أعمق من الجوع والعطش، رمضان دعوة لطهارة القلب وصفاء النفس، إلى تجنب كل ما يلوث الروح ويسمُّها.
في هذا الشهر الكريم، يُطلب منا أن نصوم عن الألم، لا عن ألم الجسد فقط، بل عن ألم الآخرين، الصوم عن إيذاء القلوب بكلمات قاسية أو أفعال مؤلمة، هو الصوم الحقيقي.
رمضان يعلمنا أن الصمت أحيانًا يكون أكثر من مجرد امتناع عن الطعام؛ إنه امتناع عن إيذاء مشاعر الآخرين، وتجنب نشر الألم في أرواحهم.
في هذا الشهر، نتعلم كيف نغلف كلماتنا باللين ونستبدل الشدة بالرقة، كيف ننشر السلام في القلوب لا الشقاق.
والصوم في رمضان لا يقتصر على ترك المعاصي فحسب، بل هو صوم عن الحسد والحقد والغل، رمضان هو فرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا النفسية، لنطهر قلوبنا من مشاعر التنافس السلبي، ومن الأفكار السامة التي تسكن في الزوايا المظلمة للنفس، لا مكان في هذا الشهر للغل، ولا للشكوى من قسوة الحياة، بل هو شهر الامتلاء بالسلام الداخلي، شهر يتعلم فيه الإنسان أن يعفو ويصفح ويتجاوز.
وفي رمضان، نصوم عن إرهاق الآخرين، عن تحميلهم أعباء لا طاقة لهم بها، هو دعوة إلى أن نكون أكثر مرونة ورحمة بمن حولنا، أن نخفف عنهم ثقل الأيام ونقدم لهم الدعم بقدر ما نمتلك من قوة، إذا كان الصوم عن الطعام يعلمنا الصبر، فإن الصوم عن إرهاق الآخرين يعلمنا الرحمة.
لكن رمضان لا يتوقف هنا، بل هو دعوة لصوم عن كل ما هو قبيح، وكل ما لا يليق بنا كأفراد، ولا بمجتمعنا ككل، هو دعوة لتطهير اللسان، وتصفية النفس، وإصلاح العلاقات، رمضان ليس شهرًا لنعيش فيه في عزلة عن العالم، بل هو شهر للتواصل والتقارب، هو فرصة لتجديد الأمل وتطهير القلوب.
فلنصم عن كل ما يُعيق سكينتنا الداخلية، ولنصم عن كل ما يعكر صفو هذه الأيام المباركة، رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام، بل هو فرصة ذهبية لنصوم عن كل ما هو قبيح، ونعيش من أجل كل ما هو جميل، فلنغتنم هذه الفرصة لنكون أفضل نسخة من أنفسنا، ولنجعل من رمضان شهرًا للطهارة والنقاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة